وقيل المراد قتال أهل مكّة الّذين حاربوا المسلمين من قبل ، وذلك موافق لما قيل من سبب نزول الآية ، حيث قيل : إنّها نزلت في صلح الحديبية ، وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا خرج هو وأصحابه في العام الّذي أرادوا فيه العمرة ، وكانوا ألفا وأربعمائة فساروا حتّى نزلوا الحديبية ، فصدّهم المشركون عن البيت الحرام فنحروا الهدي بالحديبية ، ثمّ صالحهم المشركون على أن يرجع في العام المقبل ويخلو له مكّة ثلاثة أيّام فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء ، فرجع إلى المدينة فلمّا كان العام المقبل تجهّز النبيّ صلىاللهعليهوآله وأصحابه لعمرة القضاء ، وخافوا أن لا يفي لهم المشركون وأن يصدّوهم عن البيت الحرام ويقاتلوهم ، وكره رسول الله صلىاللهعليهوآله قتالهم في الشهر الحرام وفي الحرم ، فأنزل الله الآية أي قاتلوا الّذين يقاتلونكم دون الّذين لم يقاتلوكم ، وقيل معناه الكفرة كلّهم وإن لم يقاتلوا المسلمين ، فإنّهم بصدد قتال المسلمين وعلى قصده ، ولا تعتدوا بابتداء القتال ، أو بقتال المعاهد أو المفاجأة ، من غير دعوة إلى الإسلام ، أو القتل الّذي لا يجوز مثل المثلة أو قتل النّساء والصّبيان وغيرها ، وبالجملة لا تفعلوا ما لا يجوز (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ولا يريد لهم الخير بل يريد إيصال الشرّ إليهم فتدلّ الآية على وجوب القتال في الجملة ، وعدم جواز التعدّي والظلم ، ولا يبعد تعميمها بحيث يشمل وجوب القتال مع المحارب الّذي يقاتل الإنسان على ماله ونفسه ، وتحريم التعدّي في أخذ المال والنفس ، وعدم جواز مقاتلة من لا يريد ذلك وترك وهرب ، وسائر ما ذكر في الكتب الفقهيّة.
الخامسة: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) (١).
__________________
(١) البقرة : ١٨٨.