يعني لمّا صدّوا رسول الله ومنعوا المسلمين عن عباداتهم في مكّة حصل لهم مكافأته في ذلك الشهر بعينه ، في العام المقبل ، وكأنّ قوله (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) احتجاج عليه أي كلّ ذي حرمة يجري فيه القصاص والمكافاة ، فمن هتك حرمة شهركم بالصدّ فافعلوا بهم مثله ، وادخلوا عليهم عنوة ، واقتلوهم إن قاتلوكم أو أنّ معناه أنّ القتل في الشهر الحرام حرام ، والحرام للمسلمين لا يجوز إلّا قصاصا.
(فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) أي ظلمكم فاعتدوا عليه بمثله أي جازوه بظلمه ، وافعلوا به مثل ما فعل ، والثاني ليس باعتداء وظلم ، بل عدل إلّا أنّه سمّي به للمشاكلة لوقوعه في صحبته مثل «اطبخوا لي جبّة وقميصا» (١) في جواب من قال أيّ شيء نطبخ لك (وَاتَّقُوا اللهَ) باجتناب المعاصي ، فلا تظلموا ولا تمنعوا عن المجازات ولا تتعدّوا في المجازات عن المثل والعدل وحقّكم.
ففيها دلالة على تسليم النفس ، وعدم المنع عن المجازاة والقصاص ، وعلى وجوب الردّ على الغاصب المثل أو القيمة ، وتحريم المنع والامتناع عن ذلك ، وجواز الأخذ بل وجوبه ، إذا كان تركه إسرافا [فلا يترك] إلّا أن يكون حسنا وتحريم التعدّي والتجاوز عن حقّه بالزيادة صفة أو عينا ، بل في الأخذ بطريق يكون تعدّيا ، ولا يبعد أيضا جواز الأخذ خفية أو جهرة من غير رضاه على تقدير امتناعه من الإعطاء كما قاله الفقهاء من طريق المقاصّة ، ولا يبعد عدم اشتراط تعذّر إثباته عند الحاكم ، بل على تقدير الإمكان أيضا ، ولا إذنه بل يستقلّ وكذا في غير المال من الأذى ، فيجوز الأذى بمثله من غير إذن الحاكم ، وإثباته عنده ، وكذا القصاص إلّا أن يكون جرحا لا يجزي فيه القصاص ، أو ضربا لا يمكن حفظ المثل ، أو فحشا لا يجوز القول والتلفّظ به ممّا يقولون بعدم جوازه مطلقا مثل الرّمي بالزنا وغيره وحيث إنّ الجهاد لم يقع إلّا مع الامام وحينئذ لا يحتاج إلى معرفة أحكامه فتركنا باقي الآيات المتعلّقة به ، مثل (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ
__________________
(١) كما قال الشاعر :
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه |
|
قلت اطبخوا لي جبة وقميصا |