(كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) أي كفّارا فهداكم الله ، وقلتم لا إله إلّا الله محمّد رسول الله فخلّيتم (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) بإظهار دينه فأظهرتموه بعد الكتمان من أهل الشرك (فَتابَ عَلَيْكُمْ) قبل توبتكم (فَتَبَيَّنُوا) أعادها للتأكيد بعد ذكره أوّلا كالنتيجة بعد ذكرها (إِنَّ اللهَ كانَ) لم يزل (بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) عليما قبل أن تعلموا ، ولا يخفى عليه أنّ قصدكم ليس إلّا ابتغاء عرض الحياة الدنيا.
والمشهور أنّها نزلت في أسامة بن زيد وأصحابه بعثهم رسول الله صلىاللهعليهوآله سريّة فلقوا رجلا قد ألجأ بغنم له إلى جبل ، وكان قد أسلم ، فقال لهم السلام عليكم لا إله إلّا الله محمّد رسول الله فبرز إليه أسامة فقتله واستاقوا غنمه ، وفيها دلالة على قبول الايمان ممّن قال بلفظه من غير تعرّض له أنّه مكره أو قاصد لذلك ، وهل هو حقيقة أم لا؟ وعدم التجسّس بل سائر الأمور بالطريق الأولى ، ويدلّ عليه تحريم التجسّس بالكتاب والسنّة والإجماع ، وعلى عدم الجرأة في الأمور ممّا يحصل عنده والسرعة في الحكم والعلم والعمل ، بل لا بدّ من التثبّت والتوقّف حتّى يظهر حقيقة الأمر ، وعدم العمل بالظنّ في الحال ، كما في خبر الفاسق ، الّذي دلّ عليه الكتاب والسنّة والإجماع.
وأيضا تدلّ على عدم اعتبار الدليل في الايمان وعلى عدم اعتبار العمل فيه ، وعلى أنّه يكفي لصدقه مجرّد الشهادتين ، بل القول له بأنّه ليس بمؤمن منهيّ فافهم ولعلّها تدلّ على عدم المؤاخذة في الدنيا بمثل هذا القتل ، ولكنّ القواعد الفقهيّة تقتضي الدية والكفّارة ، على ما تقدّم في الآية المتقدّمة أنّ الخطاء يقتضي ذلك ولا شكّ أنّ ذلك خطاء فكأنّه عفي عنه في أوّل الإسلام ، لعدم جرءة الكفّار ، وعدم امتناع المسلمين عن القتل والقتال ، أو أنّ الدية سقطت لعدم وارث مسلم ، أو كان عاجزا عن الكفّارة ، أو آذاها ، أو ما كانت واجبة بعد.
قال القاضي : وقيل نزلت في المقداد مرّ برجل في غنمه وأراد قتله فقال لا إله إلّا الله فقتله فقال ودّ لو فرّ بأهله وماله ، وفيها دلالة على صحّة إيمان المكره وأنّ المجتهد قد يخطئ وأنّ خطاءه مغتفر انتهى وليس بواضح فإنّه لم يظهر كونه