العمل بالظنّ في الأصول ، لا الفروع الّذي مبناه على الظنّ ، لأنّ معناه على ما في الكشّاف إن يتّبعون إلّا ظنّهم أنّهم شركاء لله ، وإن هم إلّا يخرصون ويقدّرون أن يكونوا شركاء تقديرا باطلا. لأنّ صدر الآية دلّ على نفي صلاحية شيء للربوبيّة فانّ قوله (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) صريح في ذلك.
ويدلّ على عدم جواز تقليد الجاهل والمفضول ومتبوعيّتهما وثبوتها للمهتدي قوله (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) (١) يعني أم الّذي يهدي إلى الحقّ حقيق بالاتّباع والمتبوعيّة ، فأحقّ بمعنى أصل الفعل أم الّذي لا يهتدى بنفسه أو لا يهدي غيره إلّا أن يهديه غيره ، فالأوّل على قراءة «يهدّي» بتشديد الدال وفتح الهاء أو كسرها ، كان أصلها يهتدى قلبت التاء دالّا وأدغمت فيها ، وحرّكت الهاء بالفتحة بنقل فتحة التاء إليها للخفّة أو بالكسر ، لالتقاء الساكنين. وعلى قراءة التخفيف أيضا فإنّ «يهدي» بمعنى يهتدى كثير والثاني على قراءة التخفيف فقطّ ، فإنّه من يهدي المتعدّي بنفسه وهو كثير كتعديته باللّام ، والاستفهام على سبيل الإنكار يعني معلوم أنّ الهادي بنفسه حقيق لا غير (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) يعني ما تحكمون أنتم إلّا بالحقّ ، لو أنصفتم ، أي معلوم أنّ الهادي بنفسه أحقّ.
فيمكن أن يستدلّ بها على وجوب اتّباع الله تعالى الخالق دون مخلوقة ، وكذا على وجوب اتّباع العالم دون الجاهل ، وكذا على اتّباع الأفضل فيما هو أفضل به ، دون المفضول ، خصوصا إذا كان تعلّمه من هذا الأعلم والأفضل ، وإن كان المفضول والجاهل متمكّنان من العلم بما علمه العالم والأفضل بالتعلّم فيستخرج منه عدم جواز تقليد الجهّال والمفضول ، مع تقدير وجود الأفضل وإن كان أورع ، ولهذا قال به بعض العلماء وكذا تقديم الأفضل في الصلاة وكذا الرواية ، ويمكن الشهادة وإن سلّم أنّ الآية في منع الكفّار عن اتّباع
__________________
(١) يونس : ٣٥.