الصغر وسنّ اليأس وغيرها ممّا لا يتناهى فلا يمكن ، الجرأة في الأحكام الإلهيّة بمثل هذه الأشياء.
(فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) أي ، فجامعوهنّ فالأمر بالجماع للإباحة بالمعنى الأخصّ أو بالمعنى الأعمّ فيمكن حينئذ الأحكام الأربعة فيه (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) من قبل الطهر لا من قبل الحيض عن السدّي والضحّاك ، وقيل من قبل النكاح دون الفجور عن ابن الحنفيّة ، والأوّل أليق قال الزّجّاج معناه عن الجهات الّتي يحلّ فيها ، ولا تقربوهنّ من حيث لا يجوز مثل كونهنّ صائمات أو محرمات أو معتكفات ، وقال الفرّاء : ولو أراد الفرج لقال في حيث فلمّا قال (مِنْ حَيْثُ) علمنا أنّه أراد من الجهة الّتي أمركم الله فيها كذا في مجمع البيان (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) أي بالماء ، ويدلّ عليه سبب نزول قوله تعالى (فِيهِ رِجالٌ) (١) الآية المشهورة ، وقيل التوّابين من الكبائر ، والمتطهّرين من الصغائر كأنّه بالتوبة أيضا ، أو بأنّهم لم يفعلوها ، ولم يذكر المطهّرات لدخولهنّ في المطهّرين كما في كثير من الأحكام ، أو يكون المراد بهما النائبين عن الدّخول في الحيض والمتنزّهين عنه (٢).
__________________
(١) براءة : ١٠٨.
(٢) أقول : والذي يحصل بعد التدبر في الآية الشريفة ـ وهو الظاهر منها ـ أن الحائض لها ثلاثة أحوال ـ حالة الطمث التي تجري من رحمها الدم ، وقد حرم وطيها بصريح الاية الشريفة (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ) وحالة اخرى بعدها قد نقيت الرحم من الدم ، لكنها لم تغتسل عن قذارة الدم وتبعتها وهي العرق والأرواح الخبيثة التي صاحبتها ، والآية الشريفة ساكتة عن حكمها ، وحالة اخرى بعد الاغتسال وهو غسل البدن كلها ، والآية (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) تصرح بجواز إتيانها فإن الأمر عقيب الحظر لمطلق الإباحة والجواز ـ بل تدعو إلى إتيانها بقوله (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) يعنى بذلك قوله تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ).
والكلام في الحالة الثانية فاما أن نسكت عما سكت الله ، واما ان نتدبر في ذلك والتدبر يقتضي الكراهية ، لأن الحيض الذي كان بصريح الآية أذى موجبا للاعتزال قد ذهب وحصل النقاء ، فلا حرمة ، لكنه لم يطب بعد وطيها بحكم الآية الشريفة فإن الآية انما استطاب وطيها