وبالجملة المسئلة من مشكلات الفنّ وقوانين استدلالات الأصحاب تقتضي عدم الاشتراط بحكم الحاكم ، وأمّا دقّة النظر في الأدلّة على ما هو المتعارف في غير الفقه ، وقطع النظر عن قوانينهم ، واكتفاؤهم ببعض المقدّمات مثل أن لا قائل بالفرق ، وأنّه ظاهر في العموم وأنّ الظاهر عدم الفرق ، وأنّ السّفه إذا كان موجبا فحكم الحاكم لا أثر له ، فيقتضي الاشتراط ، والاحتياط لا يترك إن أمكن.
الثانية : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ) (١).
قد استدلّ بها على كون المملوك محجورا عليه في جميع تصرّفاته ، وعدم صحّة شيء منها إلّا بإذن سيّده ، لكن هذا العموم مخصوص بصحّة بعض تصرّفاته ، مثل طلاق زوجته ، ونفوذ إقراره بالمال ، ويتبع به بعد عتقه ، ويقبل قول المأذون في ضروريّات تجارته المأذون فيها. وكذا على أنّه لا يملك شيئا أصلا ، سواء كان ملّكه مولاه أم لا ، لأنّه نفيت عنه القدرة مطلقا ، وليس حقيقة فيكون المراد نفي التملّك لأنّه أقرب المجازات ، وفي الاستدلال نظر فإنّ غاية دلالتها على وجود عبد مملوك لا قدرة له على شيء ووجود عبد مملوك قادر على شيء في الجملة ، فأين الدلالة على عدم التملّك لمملوك أصلا ، ولو بغير الاختيار وبتمليك المولى وغيره ، فإنّه يحتمل ذلك أن يكون عبدا عاجزا ولا يملّكه المولى أو بغير إذن المولى أو الّذي لا يضرب له ضريبة وغير ذلك ، أو يكون المراد الحجر وعدم صحّة التصرّف لا عدم الملك فقد يكون مالكا ومحجورا عليه كالصبيّ فإنّه يقال للطفل أنّه لا يقدر على شيء مع تملّكه ، بل بين كونه محجورا عليه وغير مالك ، تناف في الجملة ، فإنّ المتبادر من الأوّل الملكية إلّا أنّه ممنوع من التصرّف كالصغير والمفلّس والسفيه فتأمّل.
ثمّ إنّه يدلّ على التملّك قوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ
__________________
(١) النحل : ٧٥.