ذلك ليس بمؤمن ومتّق ولم يجعل له مخلصا ومخرجا من كرب الدّنيا والآخرة ولم يرزقه من حيث لا يحتسب أي لم يخلف عليه ولم يعطه من حيث لا يخطر بباله ، وغير ذلك ممّا قيل في تفسير هذه الآية من النفع الكثير جدّا وبالجملة المتّقي بجمع الله تعالى له خير الدنيا والآخرة ويخلّصه من مضارّهما ، وكذا المتّكل على الله حيث أشار به إليه بعده (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) وفيه إشعار بأنّ المتّقي متّكل فافهم.
وروي عن أبي ذرّ عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال إنّي لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) الآية ، فما زال يقرأها ويعيدها وروي أنّ رجلا أسره المشركون فأتى أبوه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وذكر له ذلك وشكا إليه الفاقة ، فقال له : اتّق الله واصبر وأكثر من قول «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ففعل الرجل ، فبينا هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل قد غفل عنها العدوّ فاستاقها ، ومثل هذه المبالغات لا ينبغي في المندوبات.
(وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) أمر للشهود بإقامة الشهادة عند الاستشهاد والحاجة لله لا لغرض آخر مثل رضا المشهود له ومحبّته وبغض المشهود عليه ، وبالجملة لا بدّ من كونها لله كسائر الأعمال والأفعال ، لعلّ فيه إشارة إلى الترغيب على الصدق في الشهادة ، فإنّها لله فلا يفعل الكذب والإيقاع على غير ما هي عليه ، والظاهر أنّه على تقدير الصدق لو كانت الشهادة مشوبة بأغراض أخر يحصل غرض المشهود له وتصحّ دون ما وعد الله على الشهادة للشاهد ، بل يمكن العقاب فتأمّل ، ويفهم اعتبار القصد من مثل هذه الآية في العبادة لا النّية المعتبرة عند الفقهاء فافهم.
وقريب منها الثانية : وهي قوله تعالى :
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)(١).
__________________
(١) البقرة : ٢٣١.