منهنّ ثمّ يتداركون ما قالوه لأنّ المتدارك للأمر عائد إليه ، ومنه المثل عاد الغيث على ما أفسد أي تداركه بالإصلاح والمعنى أنّهم يتداركون هذا القول ويصلحونه بالكفّارة حتّى ترجع حالهما كما كانت قبل الظهار من التزويج الحلال ، أو يراد بما قالوه ما حرّموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلا للقول منزلة المقول فيه ، ويكون المعنى ثمّ يريدون العود للتماسّ والمماسّة أي الاستمتاع بالجماع (ذلِكُمْ) الحكم (تُوعَظُونَ بِهِ) لأنّ الحكم بالكفّارة دليل ارتكاب الجناية فيجب أن يتّعظوا بهذا حتّى لا يعودوا إلى الظهار فتجب الكفّارة أو يخافوا عقاب الله (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وعد بل وعيد.
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) الرقبة ولا ثمنها (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) أي فالواجب عليه ذلك (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) أي من قبل أن يستمتع كلّ من المظاهر والمظاهر منها بالآخر (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) ذلك الصّيام (فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) فالواجب ذلك ، الظاهر أنّ هذا أيضا قبل المسيس ، وترك اكتفاء بما تقدّم.
فتدلّ على عدم صيرورتها امّا بالظهار وتحريمه وأنّ الله يعفو عنه ، ووجوب الكفّارة قبل المسّ بل اشتراط حلّها بتمام الكفّارة وعدم الكفّارة مع عدم العود فتسقط بالطلاق والمفارقة ، وأنّها لم تحرم مؤبّدا بل تحلّ بعد الكفّارة ، وللظهار أحكام وفروع كثيرة مذكورة في الفروع مثل تحقّقه بغير الظّهر أو بغير الأمّ أو بغير لفظ أنت أم لا ، وهل لا بدّ من كون تمام الكفّارة قبل المسيس فلو دخل قبله استأنف أم لا وغير ذلك.
(ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي فرض ذلك البيان والتعليم للأحكام لتصدّقوا بالله ورسوله في قبول شرائعه ، وتلك أحكام الله لا يجوز تعدّيها ولمن لا يقبلها عذاب أليم ، فهو مثل قوله (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (١).
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.