للمشاكلة بدل للمزاوجة ، وكانّ مراده بها هنا المشاكلة والحقّ عدم الاحتياج إلى عذر ، لأنّ ما وقع على الثاني عقاب له ومؤلم ، فسمّي به لذلك ، فهو مساو في الأوّل والثاني وهو ظاهر كما هو معناه فانّ المعنى : فإن أردتم معاقبة غيركم على وجه المجازات والمكافاة في النفس والطرف والمال ، فعاقبوا بقدر ما عوقبتم به ولا تزيدوا عليه ولا تجاوزوا عن المثل المحدود ، من جميع الوجوه.
ومثل هذه الآية قوله تعالى (جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (١) أي يبغضهم وهنا يمكن الاحتياج إلى العذر لتسمية الجزاء سيّئة مع أنّه يمكن أن يقال المراد المعنى اللّغويّ وهو حاصل بالنسبة إلى من يفعل به وباعتقاده ، فلا يحتاج ههنا (وَأَصْلَحَ) هذه مثل الّتي بعد التوبة «وعمل صالحا» فيمكن أن يكون تأكيدا للعفو بأن يكون عفوا حسنا مستديما غير ناكث له وعلى وجه حسن لا أذى معه ولا منّة.
وفيهما دلالة على جواز أخذ الحقّ من القصاص وغيره ، من غير إذن حاكم وشهود ، فلا يشترط الحاكم فيه كما قال به بعض ومنه المقاصّة في محلّها كما ذكره الأصحاب وأنّ العفو وعدم المكافاة أحسن وأولى وأكثر أجرا فينبغي اختياره إذ ليس في المكافاة إلّا تسلية النفس ، وإطفاه حرارتها ، بخلاف العفو فانّ فيه أجرا عظيما لا يعلمه إلّا الله ، فإنّه أبهم وأسند إلى الله تعالى وهو ظاهر ، وتحريم التعدّي والتجاوز عن الحدّ وظاهرهما عامّ في كلّ حقّ.
قال في مجمع البيان : إنّ الآية عامّة في كلّ ظلم كغصب ونحوه فإنّما يجازى بمثل ما عمل (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) أي تركتم المكافاة والمجازات والقصاص وتجرّعتم مرارة الصبر (لَهُوَ خَيْرٌ) وأحسن لكم منها أيّها الصابرون ، وفيه إشارة إلى أنّ أجر حسن العفو وثوابه يحصّل أجر الصّابرين أيضا الّذي هو بغير حساب. لمّا مثّلوا قتلي أحد كحمزة بن عبد المطّلب فشقّوا بطنه ، وأخذت هند بنت عتبة كبده ، فجعلت تلوكه وجذعوا أنفه وأذنه ، وقطعوا مذاكيره ، قال المسلمون لئن أمكننا الله منهم
__________________
(١) الشورى : ٤٠.