حجةٌ اُخرى (١) : إنّا نجد الأجسام مختلفةً بحسب الآثار القائمة بها من العوارض اللازمة والمفارقة.
واختصاص كلّ من هذه المختلفات الآثار بما اختصّ به من الآثار ليس إلاّ لمخصِّص بالضرورة.
ومن المحال أن يكون المخصِّص هو الجسميّة المشتركة لاشتراكها بين جميع الأجسام ، ولا المادّة المشتركة لأنّ شأنها القبول والاستعداد دون الفعل والاقتضاء ، ولا موجود مفارق لاستواء نِسبته إلى جميع الأجسام.
ويمتنع أن يكون المخصِّص هو بعض الأعراض اللاحقة بأن يتخصّص أثرٌ بأثر سابق ، فإنّا ننقل الكلام إلى الأثر السابق فيتسلسل أو يدور أو ينتهي إلى أمر غيرِ خارج عن جوهر الجسم الذي عنده الأثر ، والأوّلان محالان ، فيبقى الثالث ـ وهو استناد الآثار إلى أمر غيرِ خارج من جوهر الجسم ـ فيكون مقوّماً له ، ومقوّم الجوهر جوهر.
وإذ كان هذا المقوّم الجوهريّ أخصّ من الجسم المطلق فهو صورة جوهريّة منوّعة له.
ففي الأجسام على اختلافها صور نوعيّة جوهريّة هي مباد للآثار المختلفة باختلاف الأنواع.
لا يقال (٢) : إنّ في أفراد كلّ نوع من الأنواع الجسمانيّة آثاراً مختّصةً وعوارضَ مشخّصةً ، لا يوجد ما هو عند فرد منها عند غيره من الأفراد ، ويجري فيها ما سبقتموه من الحجّة ، فهلا أثبتم بعد الصور التي سمّيتموها صوراً نوعيّة صوراً شخصيّةً مقوّمةً لماهيّة النوع.
لأنّه يقال (٣) : الأعراض المسمّاة «عوارض مشخّصة» لوازمُ التشخّص
__________________
(١) هذه الحجّة ممّا ذكره الشيخ الرئيس في الإشارات ، فراجع شرح الإشارات ج ٢ ص ١٠١. وتعرّض له بهمنيار في التحصيل ص ٣٣٦ ـ ٣٣٧. وهذه اُولى الحجج المنقولة في الأسفار ج ٥ ص ١٥٧ ـ ١٦٦ ، وشرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين ص ٦٥.
(٢) هذا الإشكال أورده الشيخ الإشراقي في حكمة الإشراق ، فراجع شرح حكمة الإشراق (كلام الماتن) ص ٢٢٧ ، حيث قال : «والطبائع النوعيّة اعترفتم بأنّها أتمّ وجوداً من الأجناس ، ولا يتصوّر فرض وجودها دون المخصّصات ، فإن كانت مخصّصات الجسم صوراً وجوهراً لأجل أنّ الجسم لا يتصوّر دون مخصّص فمخصّصات الأنواع أولى بأن يكون جوهراً ، وليس كذا ، فيجوز أن يكون المخصّص عرضاً».
(٣) هكذا أجاب عنه صدر المتألّهين في تعليقات شرح حكمة الإشراق ص ٢٢٧ ..