الماهيّات كانت هي الوجود ، إذ ليس للماهيّة المتأصّلة إلاّ حيثيّتا الماهيّة والوجود ، وإذا لم تضف الأصالة إلى الماهيّة فهي للوجود ، وإن لم يستوجب شيئاً وكانت حال الماهيّة قبلَ الإنتساب وبعدَه سواءً ، كان تأصّلها بالإنتساب إنقلاباً ، وهو محالٌ.
يتفرّع على أصالة الوجود وإعتباريّة الماهيّة :
أوّلا : أنّ كلَّ ما يُحمل على حيثيّة الماهيّة فإنّما هو بالوجود.
وأنّ الوجود حيثيّةٌ تقييديّةٌ في كلِّ حمل ماهويٍّ ، لما أنّ الماهيّة في نفسها باطلةٌ هالكةٌ لا تملك شيئاً ، فثبوت ذاتها وذاتيّاتها لذاتها بواسطة الوجود.
فالماهيّة وإن كانت إذا اعتبرها العقل من حيث هي لم تكن إلاّ هي ، لا موجودة ولا معدومة ، لكنّ ارتفاع الوجود عنها بحسب هذا الإعتبار ـ ومعناه أنّ الوجود غير مأخوذ في حدّها ـ لا ينافي حملَه عليها خارجاً عن حدّها عارضاً لها ، فلها ثبوتٌ مّا كيفما فرضت.
وكذا لوازم ذاتها ـ التي هي لوازم الماهيّة كمفهوم الماهيّة العارضة لكلّ ماهيّة ، والزوجيّة العارضة لماهيّة الأربعة ـ تثبت لها بالوجود لا لذاتها.
وبذلك يظهر أنّ لازِمَ الماهيّة بحسب الحقيقة لازِمُ الوجودين الخارجيَّ والذهنيّ كما ذهب إليه الدّوانيّ (١).
وكذا لازِمُ الوجود الذهني كالنوعيّة للإنسان ، ولازِمُ الوجود الخارجيّ كالبرودة للثلج ، والمحمولات غير اللازمة كالكتابة للإنسان ، كلّ ذلك بالوجود.
وبذلك يظهر أنّ الوجود من لوازم الماهيّة الخارجة عن ذاتها.
وثانياً : أنّ الوجود لا يتّصف بشيء من أحكام الماهيّة ، كالكلّيّة والجزئيّة ، وكالجنسيّة والنوعيّة والفصليّة والعرضيّة الخاصة والعامة ، وكالجوهريّة والكميّة والكيفيّة وسائر المقولات العرضيّة (٢) ، فإنّ هذه جميعاً أحكامٌ طارئةٌ على الماهيّة من جهة صدقها وانطباقها على شيء كصدق الإنسان وإنطباقه على زيد وعمرو
__________________
(١) راجع حاشية الدّوانيّ على شرح التجريد للقوشجيّ ص ٢٧.
(٢) أي الأين والمتى والملك والجدة والاضافة وأن يفعل وأن ينفعل.