موجودةً بالوجود حقيقةً قبالَ ما ليس بموجود بالوجود.
وسادساً : أنّ الوجود عارضٌ للماهيّة ـ بمعنى أنّ للعقل أن يجرّد الماهيّة عن الوجود ، فيعقلها وحدها من غير نظر إلى وجودِها ـ ، فليس الوجود عينها ، ولا جزءاً لها. ومن الدليل على ذلك جواز سلب الوجود عن الماهيّة ، وإحتياج إتّصافها به إلى الدليل ، وكونها متساوية النسبة في نفسها إلى الوجود والعدم ، ولو كان الوجود عينها أو جزءاً لها لما صحّ شيءٌ من ذلك.
والمغايرة ـ كما عرفت (١) ـ عقليّةٌ ، فلا تنافي إتّحادَ الماهيّة والوجود خارجاً وذهناً ، فليس هناك إلاّ حقيقة واحدة هي الوجود لمكان أصالته وإعتباريّتها ، فالماهيّات المختلفة يختلف بها الوجود نحواً من الإختلاف من غير أن يزيد على الوجود شيءٌ؛ وهذا معنى قولهم : «إنّ الماهيّات أنحاء الوجود» (٢). وإلى هذا الإختلاف يؤول ما بين الماهيّات الموجودة من التميّز والبينونة واختلاف الآثار ، هو معنى قولهم : «إنّ الماهيّات حدود الوجود» (٣). فذات كلّ ماهيّة موجودة حدٌ لا يتعدّاه وجودها ، ويلزمه سلوبٌ بعدد الماهيّات الموجودة الخارجة عنها. فماهيّه الإنسان الموجودة ـ مثلا ـ حدٌّ لوجوده ، لا يتعدّاه وجودُه إلى غيره ، فهو ليس بفرس وليس ببقر وليس بشجر وليس بحجر ، إلى آخر الماهيّات الموجودة المباينة للإنسان.
وسابعاً : أنّ ثبوتَ كلَّ شيء ـ أيُّ نحو من الثبوت فُرِضَ ـ إنّما هو لوجود هناك خارجيٌ يطّرد العدم لذاته. فللتصديقات النفس الأمريّة ـ التي لا مطابَق لها في خارج ولا في ذهن ـ مطابَقٌ ثابتٌ نحواً من الثبوت التبعي بتبع الموجودات الحقيقيّة.
توضيح ذلك : أنّ من التصديقات الحقّة ما له مطابَقٌ في الخارج ، نحو «الإنسان موجودٌ» و «الإنسان كاتبٌ». ومنها ما له مطابَقٌ في الذهن ، نحو
__________________
(١) في الفرع الأوّل.
(٢) راجع الأسفار : ج ١ ص ٥٧ و ٣٦٠.
(٣) وقد يقال : «الماهيّات حكاياة الوجودات» ، فراجع تعليقة السبزواري على الأسفار ج ١ ص ٢٤٨ الرقم (١).