فإن جاز أن يوجد معه وجب أن يوجد عن الواجب لذاته في مرتبة واحدة لذات واحدة من جهة واحدة شيئان ، وهو محال؛ وإن جاز أن يوجد بعد الأخسّ وبواسطة لزم كون المعلول أشرف من علّته وأقدم ، وهو محال؛ وإن لم يجز أن يوجد لا قبل الأخسّ ولا معه ولا بعده مع أنّه ممكن بالإمكان الوقوعيّ الذي هو كون الشيء بحيث لا يلزم من فرض وقوعه محال ، فلو فرض وجوده وليس بصادر عن الواجب لذاته ولا عن شيء من معلولاته وهو على إمكانه ، فبالضرورة وجوده يستدعي جهةً مقتضيةً له أشرف ممّا عليه الواجب لذاته ، فيلزم أن يكون الممكن المفروض يستدعي بإمكانه علّةً موجِدةً أعلى وأشرف من الواجب لذاته ، وهو محال ، لأنّ الواجب لذاته فوق ما لايتناهي بما لا يتناهي شدّةً ، فالمطلوب ثابت (١).
ويمكن الاستدلال بما هو أوضح من ذلك ، فإنّ الشرافة والخسّة المذكورتَيْن وصفان للوجود ، مرجعهما إلى الشدّة والضعف بحسب مرتبة الوجود ، فترجعان إلى العلّيّة والمعلوليّة ، مآلهما إلى كون الشيء مستقلاّ موجوداً في نفسه وكونه رابطاً قائماً بغيره موجِداً في غيره ، فكلّ مرتبة من مراتب الوجود متقوّمةٌ بما فوقها قائمةٌ به وأخسّ منه ومقوّمة لما دونها مستقلّةٌ بالنسبة إليه وأشرف منه.
فلو فرض ممكنان أشرف وأخسّ وجوداً كان من الواجب أن يوجد الأشرف قبل الأخسّ قبليّةً وجوديّةً ، وإلاّ كان الأخسّ مستقلاّ غير رابط ولا متقوّم بالأشرف ، وقد فرض رابطاً متقوّماً به ، وهذا خلف.
والمستفاد من الحجّتين : أوّلا : أنّ كلّ كمال وجوديّ هو أخسّ من كمال آخر وجوديّ ، فالأشرف منهما موجود قبل الأخسّ ، والأشدّ منهما قبل الأضعف ، كالمرتبتَيْن من الوجود المختلفتَيْن شدّةً وضعفاً وإن اختلفتا ماهيّةً ، نظير العقلَيْن الأوّل والثاني.
__________________
(١) هذا الدليل أقامه الشيخ الإشراقيّ في حكمة الإشراق ص ١٥٤. وقرّره العلاّمة الشيرازيّ في شرح حكمة الإشراق ص ٣٦٧ ـ ٣٦٨. واعترض عليه المحقّق الدوانيّ في شرح الهياكل النوريّة ص ٢١٤. ثمّ تصدّى صدر المتألّهين لدفعه في الأسفار ج ٧ ص ٢٥١ ـ ٢٥٣ ، وحاشية شرح حكمه الإشراق ص ٣٦٧.