ثم إن الظاهر من الحديث هو الدلالة إلى علماء المدينة ، وأن العلماء في غيرها من البلدان لا يقاسون بهم ، لا أن المراد به الدلالة على عالم مخصوص ، حتى يقع الكلام في أنه مالك بن أنس أو غيره. ولهذا قال : «فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة » ، أي من جنس العالم الذي بالمدينة ، ولم يقُل : فلا يجدون أحداً أعلم من عالمٍ بالمدينة. حتى يكون المراد به عالماً مخصوصاً.
ولو سلَّمنا أن المراد به عالم مخصوص فلم يحصل اتفاقهم على أنه مالك بن أنس ، فإن الترمذي في السُّنَن ذكر في رواية عن سفيان بن عيينة أنه قال : إنه مالك ، وفي رواية أخرى قال : إنه العُمَري (١).
وقال أحمد في المسند : وقال قوم : هو العمري ، قال : فَقَدَّموا مالكاً (٢).
وذكر الخطيب أن أبا موسى سأل سفيان : أكان ابن جُرَيْج يقول : نرى أنه مالك بن أنس؟ فقال : إنما العالم من يخشى الله ، ولا نعلم أحداً كان أخشى لله من العمري (٣).
عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : عالم قريش يملأ طباق الأرض علماً. يعني الشافعي.
أورده الشوكاني في الموضوعات ، وقال : هو موضوع. قاله الصغاني (٤).
ومع ضعف الحديث فإنه لا يدل على خصوص الشافعي ، وما قلناه في ( عالم المدينة ) يأتي هنا أيضاً ، فإن عالم قريش لا يدل على رجل مخصوص ، وأئمة العترة النبوية الطاهرة عليهمالسلام كلهم من قريش ، وهم أفقه من الشافعي وغيره ، وهذا لا نحتاج فيه إلى مزيد بيان.
__________________
(١) سنن الترمذي ٥ / ٤٧ ح ٢٦٨٠.
(٢) مسند أحمد ١٥ / ١٣٥ ح ٧٩٦٧.
(٣) تاريخ بغداد ١٣ / ٣٧٧.
(٤) الفوائد المجموعة ، ص ٤٢٠ ح ١٨٦.