الشطر الثاني فحسب ، وهو تضييع الصلاة ، وجعلوا تضييعها تأخيرها عن وقتها ، ولأجل ذلك أدرج البخاري هذين الحديثين في كتاب مواقيت الصلاة ، باب تضييع الصلاة عن وقتها.
قال ابن حجر : المراد أنه لا يعرف شيئاً موجوداً من الطاعات معمولاً به على وجهه غير الصلاة ، وقوله : ( وهذه الصلاة قد ضُيّعت ) قال المهلب : المراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب لا أنهم أخرجوها عن الوقت. كذا قال وتبعه جماعة.
ثم ردّه بأنه تضييع للصلاة عن وقتها الواجب ، واستدل بالأحاديث المشهورة التي تدل على أن الوليد بن عبد الملك والحجَّاج كانا يؤخّران الصلاة إلى أن يمضي وقتها (١).
إلا أن التأمل الصحيح في هذه الأحاديث يقضي بأن يكون المراد هو أن أحكام الدين التي كانت في زمن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومنها الصلاة قد تبدّلت وحُرّفت ، بدليل قوله : أو ليس أحْدَثتم في الصلاة ما أحدثتم؟ وتأخير الصلاة عن وقتها لا يسمَّى إحداثاً فيها.
ثم إن بكاء أنس بالشام لا يكون إلا لأمر عظيم جليل ، وهو تحريف أحكام الدين ، والعبث بشريعة سيد المرسلين ، وأما تأخير الولاة أو الخلفاء للصلاة فإنه لا يستدعي منه كل ذلك ، لأنه كان يرى منهم الظلم والفسق والفجور والمجون ، ولم يبكِ لشيء من ذلك ، فكيف يبكي لتأخير الصلاة عن وقتها؟!
إن أكثر الأحاديث التي مرَّ ذكرها مروي عن أنس بن مالك ، والقليل منها مروي عن أبي الدرداء ، ولعل السبب في ذلك هو أن أنس بن مالك كان من أواخر الصحابة موتاً ، فهو قد عاش إلى سنة تسعين من الهجرة ، أو ثلاث
__________________
(١) فتح الباري ٢ / ١١.