كان الناس في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يلجأون في معرفة أمور دينهم إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم وإلى مَن جعلهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من قِبله كأمراء أو رُسُل إلى البلاد الأخرى ، وبقي الحال على ذلك إلى أن قُبِض النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وأما بعد زمانه صلىاللهعليهوآلهوسلم فكان الناس يسألون الخلفاء خاصة والصحابة عامة لمَّا تفرَّقوا في سائر البلدان ، لأنهم كانوا أقرب الناس إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأعرفهم بأحكام دينه.
ولما جاء عصر التابعين وتابعي التابعين انقسم العلماء إلى قسمين : أهل الحديث ، وأهل الفتوى. وكثر المفتون في المدينة ومكة والشام ومصر والكوفة وبغداد وغيرها من بلاد الإسلام ، فكان العامة يسألون مَن يظهر لهم علمه ومعرفته ، دون أن يتمذهبوا بقول واحد بعينه.
إلا أن المهاترات التي وقعت بين أهل الحديث وأهل الفتوى وبالأخص أهل الرأي منهم من جهة ، مضافاً إلى تقريب الخلفاء لبعض العلماء دون البعض الآخر من جهة أخرى ، وَلَّد روح التعصّب عند الناس لبعض الفقهاء ، والحرص على الالتزام بآرائه الفقهية وطرح آراء غيره.
ولما ظهر أبو حنيفة كفقيه له آراؤه الفقهية ، استطاع أن يستقطب له تلاميذ صار لهم الدور الكبير بعد ذلك في نشر تلك الآراء ، ولا سيما القاضي أبو يوسف (١) الذي نال الحظوة عند الخلفاء العباسيين ، فتولى منصب القضاء
__________________
(١) هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، ولد في الكوفة سنة ١١٣ هـ ، ونشأ فيها ، وكان فقيراً معدما ً ، اتصل بأبي حنيفة وتتلمذ على يديه ، وفأولاه أبو حنيفة عناية خاصة ، فكان ينفق عليه وعلى عياله ، إلى أن مات أبو حنيفة سنة ١٥٠ هـ ، فأستقل برئاسة المذهب ، وتولى القضاء ، وحظي بمكانة عظيمة عند هارون الرشيد ، وهو أول من لقب بقاضي القضاة ، ونشر مذهب أبي حنيفة في الآفاق ، توفي سنة ١٨٢ هـ ، وعمره ٦٩ سنة.