لثلاثة من الخلفاء : المهدي والهادي والرشيد ، فنشر مذهب أبي حنيفة بواسطة القضاة الذين كان يعيّنهم هو وأصحابه.
ولما بزغ نجم مالك بن أنس أراد أبو جعفر المنصور أن يحمل الناس على العمل بما في الموطأ ، وأمر من ينادي في الناس : « ألا لا يُفتينَّ أحد ومالك بالمدينة ». وحظي مالك بمكانة عظيمة عنده وعند مَن جاء بعده من أبنائه الخلفاء ، كالمهدي والهادي والرشيد ، فسبّب ذلك ظهور أتباع له يروّجون مذهبه ، ويظهرون التعصب له.
ثم تألَّق الشافعي وبرز على علماء عصره ، وساعده على ذلك تتلمذه على مالك في المدينة ، ونزوله ضيفاً لما ذهب إلى مصر عند محمد بن عبد الله بن الحكم الذي كانت له في مصر مكانة ومنزلة علمية ، وكان مقدَّماً عند أهل مصر ، فقام هذا الأخير بنشر علم الشافعي وبث كتبه ، مضافاً إلى ما لقيه الشافعي في بادئ الأمر من المالكية في مصر من الإقبال والحفاوة ، بسبب كثرة ثنائه على الإمام مالك ، وتسميته بـ ( الأستاذ ).
ولما وقع الإمام أحمد بن حنبل في محنة خلق القرآن ، وضُرب وحُبس ، مع ما أظهر من الصبر والتجلد ، جعل له المكانة عند الناس ، ولا سيما بعد أن أدناه المتوكل العباسي وأكرمه وعظَّمه ، وعني به عناية فائقة.
هكذا نشأت هذه المذاهب وانتشرت دون غيرها.
ثم إن الأغراض السياسية والمآرب الدنيوية كانت وراء دعم الخلفاء لهذه المذاهب ، فإن خلفاء بني العباس أرادوا أن يلفتوا الناس إلى علماء من أهل السنة ، لتكون لهم المكانة السامية عند الناس ، باعتبارهم أئمة في الدين ، ليصرفوا الأنظار عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، الذين كانت نقطة التوتر بينهم هي الأولوية بالخلافة.
ولهذا كان شعراء بني العباس يثيرون هذه المسألة في مناسبات كثيرة ، يُعرِّضون فيها بأبناء علي وفاطمة عليهمالسلام ، ويحتجون بأن الخلافة ميراث النبي