وأما الأحلام التي أيَّدوا بها مذاهبهم فهي كثيرة ، ولا يحسن بنا إضاعة الوقت بذكرها ، لأن الأحلام ليست حُجة في بيع حزمة بقل فما دونها ، فكيفتكون حجة في إمامة الدين والعلم ، وهو واضح لا يحتاج إلى إطالة الكلام فيه.
ولكن لا بأس أن نذكر بعضاً منها للدلالة على مبلغ سخافتها :
١ ـ أبو حنيفة : ذكر ابن عبد البر في كتاب الانتقاء وغيره أن أبا حنيفة قال : رأيت في المنام كأني نبشتُ قبر النبي عليهالسلام ، فأخرجت عظامه فاحتضنتها ، قال : فهالتني هذه الرؤيا ، فرحلت إلى ابن سيرين ، فقصصتها عليه ، فقال : إن صدقت رؤياك لتُحيِيَنَّ سُنّة نبيِّك محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وذكرها بعينها أيضاً عن رجل رأى هذه الرؤيا في أبي حنيفة.
وعن أبي رجاء وكان من العبادة والصلاح بمكان ، قال : رأيت محمد بن الحسن في المنام ، فقلت : ما صنع الله بك؟ قال : غفر لي. قلت : وأبو يوسف؟ قال : هو أعلى درجة مني. قلت : فما صنع أبو حنيفة؟ قال : هيهات ، هو في أعلى عليين (١).
٢ ـ مالك بن أنس : ذكر أبو نعيم في الحلية عن إسماعيل بن مزاحم المروزي أنه قال : رأيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في المنام ، فقلت : يا رسول الله مَن نسأل بعدك؟ قال : مالك بن أنس.
وعن محمد بن رمح التجيبي أنه قال : رأيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما يرى النائم ، فقلت : يا رسول الله قد اختلف علينا في مالك والليث ، فأيهما أعلم؟ قال : مالك ورث حدي ، معناه أي علمي.
وعن عبد الله مولى الليثيين وكان مختاراً قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في المسجد قاعداً والناس حوله ، ومالك قائم بين يديه ، وبين يدي رسول الله
__________________
(١) الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ، ص ١٤٥ ـ ١٤٦.