قد يقال : إن أحاديث افتراق الأمة تدل على أن الفرقة المحقة هي الطائفة التي تتَّبع الصحابة ، لأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : ما أنا عليه وأصحابي. وتدل على أن الناجين هم الجماعة ، والمراد بهم أهل السنة.
والجواب :
أن الحديث لم ينص على أن الحق هو ما عليه الصحابة فقط ، بل قال : « ما أنا عليه وأصحابي » ، فما كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عليه وأصحابه هو الحق بلا شبهة ، إلا أن الصحابة لمَّا وقع بينهم الاختلاف بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلا يصح اتباع بعضهم بمقتضى هذا الحديث دون بعض ، لعدم الدليل على هذا الاتباع ، ولا مناص حينئذ من البحث عن دليل آخر ينفع في هذه الحال.
وحديث الثقلين الذي تقدم الكلام فيه ، هو الدليل الآخر الذي لا مناص من الأخذ به ، وهو يرشد إلى التمسك بالعترة النبوية الطاهرة دون غيرهم.
على أنَّا لو سلَّمنا بلزوم اتّباع الصحابة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فبما أن الصحابة اختلفوا فيما بينهم كما مرَّ مفصلاً في الفصل الثالث ، ولا يصح التكليف باتباع الكل ، فلا مناص من اتّباع البعض منهم ، والشيعة اتّبعوا مَن نص النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على أن الحق معه ، وهو مع الحق ، وأن الحق يدور معه حيثما دار ، وهو أمير المؤمنين عليهالسلام ، فرجعنا بالنتيجة إلى اتباع العترة أيضاً.
وأما الجماعة المذكورة في أحاديث اختلاف الأمة فليس المراد بهم من يُعرفون الآن بأهل السنة والجماعة بجميع مذاهبهم ، وإنما المراد بهم جماعة الحق وإن قلّوا.
قال الترمذي : وتفسير الجماعة عند أهل العلم : هم أهل الفقه والعلم والحديث.