ثم إن عد معاوية ممن يعمل بالهدى ودين الحق خلاف ما هو معلوم من حاله ومشهور من أفعاله ، وحسبك أنهم اتَّفقوا على إخراجه من زمرة الخلفاء الراشدين ، فجعلوهم أربعة أو خمسة ، ولم يجعلوه منهم.
وأخرج مسلم في الصحيح عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة ـ في حديث طويل قال : فقلت له ـ أي لعبد الله بن عمرو بن العاص ـ : هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا ، والله يقول ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ). قال : فسكت ساعة ، ثم قال : أطعه في طاعة الله ، واعصِه في معصية الله (١).
وأخرج الحاكم وصحَّحه على شرط الشيخين ، عن عبادة بن الصامت ، أنه قام قائماً في وسط دار عثمان بن عفان رضياللهعنه ، فقال : إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم محمداً أبا القاسم يقول : ( سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون ، وينكرون عليكم ما تعرفون ، فلا طاعة لمن عصى الله ، فلا تعتبوا أنفسكم ) ، فوالذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك. فما راجعه عثمان حرفاً واحداً (٢).
ثم إن إخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بهؤلاء الخلفاء إنما كان لفائدة عظيمة وغاية مهمة يريد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إيضاحها للأمة ، وهي مبايعة هؤلاء الخلفاء ، ومتابعتهم ، والأخذ بهديهم دون غيرهم ممن لم يكن بهذه الصفة.
وعليه ، فلو صحَّ هذا القول لما كان ثمة أي فائدة في بيان وجود اثني عشر خليفة يعملون بالحق في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة ، وإن لم تتوالَ أيامهم ، فكل خليفة يتولى أمور الناس لا يُعلم أنه منهم أم لا ، فلا يُدرى هل
__________________
(١) صحيح مسلم ٣ / ١٤٧٢. كتاب الامارة ، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالاول.
(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٥٧.