__________________
كما أن ما وجه به الشهيد في (المسالك) ما اختاره المحقق ـ رحمه الله ـ بقوله : «ووجه ما اختاره المصنف من اختصاص الضمان بالغاصب حيث لا تكون العارية مضمونة : أن المستعير مغرور ، فضعفت مباشرته فكان السبب الغار أقوى» انتهى :
لم يتضح ـ أيضا ـ فإن قاعدة أقوائية السبب من المباشر واختصاص الضمان بالسبب ، موردها ما إذا كان استناد تلف المال أو النفس الموجب للضمان الى السبب ـ عرفا ـ ولا ينظر الى دخل المباشر فيه ، نظير من أعطى سكينا لطفل غير مميز فجرح نفسه ، أو فتح باب المحبس عن مفترس فخرج وافترس إنسانا أو حيوانا ، أو حفر بئرا في ممر من الناس ولم يتخذ لها حافظا وواقيا ، فسقط فيها إنسان لا يبصر ، أو زاحمه حيوان فوقع فيها ، أو أجّج نارا في عاصف من الريح ، ولم يتخذ لها واقيا ، فاحترق بها مال للغير ، ونحو ذلك مما يكون استناد التلف فيه الى المسبب ـ عرفا ـ ففي جميع ذلك ونظائره صح أن يقال : السبب أقوى من المباشر ، واختص الضمان به.
أما في مثل ما نحن فيه مما كان سبب الضمان فيه استيلاء غير المستحق على مال الغير ـ وقد أخذه ممن سبقه ـ في عدم الاستحقاق ، غاية الأمر ان السابق عالم بعدم استحقاقه ، والأخذ منه جاهل به ، فكون ذلك من موارد القاعدة المذكورة ، غير واضح ، نعم هو من موارد قاعدة (الغرور) وليس مفادها عدم ضمان المغرور واختصاص الغار به ، بل رجوعه على من غرّه بما خسره لمالك العين التالفة عند رجوعه عليه وأخذه منه ، فهو ضامن كالسابق الغار ، ولكنه يرجع بغرامته عليه بمقتضى النبوي المشهور : «المغرور يرجع بما غرمه على من غرّه».