وعلى كل يتخير المالك بين دفعه وبين فدائه ، كما ان المالك ـ في باب الزكاة ـ يتخير بين دفع الفريضة من العين وبين القيمة ـ كما ان العبد الجاني يجوز بيعه ، ولكن نفوذه يتوقف على فك رقبته بأداء فدائه ، وإلا كان للمجني عليه أو وليه تملكه ، فيبطل البيع ، وكذلك العين المتعلقة لحق الزكاة لا مانع من بيعها ، وينفذ البيع لو أدى المالك الزكاة من ماله الآخر ، وإلا كان لمن له الولاية على الزكاة أخذها من العين فيبطل البيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة.
ولكن فرق حق الجناية عن الزكاة : أن حق الجناية ليس امرا مفروضا على مالك العبد يلزمه أداؤه لمستحقه ، وإنما هو كسائر الحقوق موكول لمن له الحق إن شاء أخذ به ـ وحكمه ما ذكرنا ـ وان شاء عفا فيسقط بخلاف حق الزكاة فإنه فرض من الله تعالى على مالك النصاب ، يلزمه أداؤه ـ من العين أو بدلها ـ لمستحقه ، وليس لأحد إسقاطه والعفو عنه من غير فرق بين من له الحق ، وبين من له الولاية عليه كالحاكم الشرعي.
ولعل السر في ذلك : أن من له الحق لم يكن شخصا معينا جعل زمام الحق بيده كسائر الحقوق المجعولة لأشخاص معينين لهم الأخذ بالحق وإسقاطه ، وانما جعل هذا الحق لطوائف وأصناف.
وببيان آخر : الحق المذكور مجعول للكلي ، لا لفرد أو أفراد ، وإنما يملك الفرد ما وصل اليه من الحق ملكية فعلية تامة ، فمن جعل له الحق ـ وهو الصنف بنحو الكلي ـ لا معنى لإسقاطه ، والفرد أو الأفراد لا أثر لإسقاطهم ، إذ لم يجعل الحق لهم.
ومن هنا : ليس لهم أخذ الحق من المالك جبرا ، أو استيفاء بنحو من أنحاء الاستيفاءات ، كما يجوز ذلك للمغصوب حقه من الغاصب إلا بإذن من الحاكم الشرعي ، وتوكيل خاص له بأخذ الحق من المالك الممتنع.