وتوجد صورة ثالثة ، وهي : بأن يبيع صاحب السلعة سلعته نسيئةً بالسعر السوقي ، ثم يشتريها منه بأقل من السعر السوقي نقداً (١).
وقد قال بحرمة بيع العينة كل من مالك وأحمد ، لأنّها حيلة لربا النسيئة ، وقد احُتجَّ لهؤلاء بحديث عائشة « حينما أخبرتها اُمّ محبّة بأنّها كانت لها جارية ، فباعتها لزيد بن أرقم بثمانمائة درهم الى عطائه ، وأنّه أراد بيعها ، فابتاعتها منه بستمائة ، فقالت عائشة : بئسما شريت وبئسما اشتريت ، فأبلغي زيد أنّه قد بطل جهاده مع رسول الله صلىاللهعليهوآله إلاّ أن يتوب. فقالت لها : أرأيت إن لم آخذ منه إلاّ رأسمالي ؟ فقالت : فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف » (٢).
ومن هنا يتّضح أن المانع من صحة البيع عند العامّة هو الربا المستور تحت البيع ، بتقريب أن المشتري قد حصل على مائة دينار ـ مثلاً ـ نقداً بمائة وعشرين ديناراً مؤجلة الى سنة ، وهذا إنّما يكون في صورة اشتراط البيع الثاني في البيع الأول صراحةً أو ضمناً ، كأن يكون البيع الثاني مبنيّاً على البيع الأول.
أمّا عند الإمامية فقد وردت النصوص ببطلان هذه المعاملة ، منها صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام ( الإمام الكاظم ) قال : « سألته عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم الى أجل ، ثم اشتراه بخمسة دراهم بنقد أيحلّ ؟ قال : إذا لم يشترطاً ورضيا فلا بأس » (٣). ومعنى ذلك أنّه إذا اشترط ذلك فالبيع الأول غير صحيح ، كما هو الظاهر من كلمة « البأس » في المعاملات.
وذهب قسم من علماء الإمامية إلى أنّ البطلان هنا للنصّ الخاصّ ، ولكن
__________________
(١) راجع كتاب نظرية الربا المحرم ، ابراهيم زكي الدين بدوي : ص ٢٠٣.
(٢) نظرية الربا المحرم في الشريعة الإسلامية : ص ٢٠٣ ، عن القرطبي : ج ٣ ، ص ٣٥٩ وما بعدها.
(٣) وسائل الشيعة : ج ٢ ، ب ٥ من أحكام العقد ، ح ٦.