ويوجد معنى آخر للبيعتين في بيعة ، وهو : أن يسلفه ديناراً في قفيز حنطة الى شهر ، فلمّا حلّ الأجل وطالبه بالحنطة قال : بعني القفيز الذي لك عليّ الى شهرين بقفيزين ، فصار ذلك بيعتين في بيعة ، لأنّ البيع الثاني قد دخل على الأوّل فيردّ إليه أوكسهما ، وهو الأول (١).
وهذا المعنى الأخير للأحاديث بهذا المثال المذكور آنفاً يوجب حرمة البيع الثاني ؛ لوجود الربا ، لأنّ المشتري قد باع قفيزاً واحداً بقفيزين من الحنطة فهو ربا ، إلاّ أنّ المثال إذا غيّرناه وأراد المشتري أن يبيع قفيزه من الحنطة بدراهم فهو بيع جائز رغم أنه بيع ما لم يقبض ، إلاّ أنّ النهي الوارد عن بيع ما لم يقبض مخصوص ببيعه على غير بائعه ، أمّا بيعه على بائعه فلا بأس به ، وقد وردت النصوص بصحة ذلك ، منها : صحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل باع طعاماً بدراهم ، فلمّا بلغ ذلك الأجل تقاضاه ، فقال : ليس عندي دراهم ، خذ مني طعاماً ، قال عليهالسلام : لا بأس إنّما له دراهمه يأخذ بها ما شاء » (٢) وغيرها من الروايات.
نعم ، يحتمل أن يكون المعنى الذي ذكر أخيراً للبيعتين في بيعة ، عبارة عن بيع ما لم يقبض على شخص ثالث ( غير البائع ) ، كما إذا اشتريت كمية من الحنطة ولم أقبضها بعد ، وأردتُ بيعها الى ثالث فهنا توجد أدلّة تمنع من بيعها قبل القبض بزيادة أو نقيصة ، وهذا الحكم صحيح ، وقد يبنى على النظرية القائلة بأنّ الكسب من دون عمل غير صحيح.
وعلى كل حال ـ سواء اُريد بالبيعتين في بيعة ما ذكره الشافعي أو ما ذكر أخيراً من النهي عن البيع قبل القبض ـ فهل ما نحن فيه داخل تحت معنى الحديث ؟
__________________
(١) نظرية الربا المحرم ، لإبراهيم بدوي : ص ٢١٤ هامش ٣.
(٢) وسائل الشيعة : ج ١٣ ، ب ١٩ من أبواب السلف ، ح ١٠ ، وهي مروية عن عبيد بن زرارة أيضاً.