تسلّم المبيع ولا البائع من تسليمه ، فيحدث الغرر في البيع ؛ لأنّ البيع إنّما حصل على أن يكون التسليم حالا ، بينما البائع غير قادر على التسليم حالا ، ولا يعلم متى يتمكّن من التسليم ، لأنّ العبد غير معروف زمن رجوعه إن كانت عنده نيّة إلى الرجوع ، كما لم يعلم أيرجع الجمل الشارد الى صاحبه أم لا ؟ فيحصل الغرر من هذه المعاملة ، وليس المراد منه النهي عن « بيع الصفة في الذمّة » ، ولذا قد اُجيز بيع السلم إلى الأجل ، وهو بيع ما ليس عند البائع في الحال ، ولكن جوّزه الفقهاء بالاتفاق ، كما أنّه ليس المراد من « لا تبع ما ليس عندك » هو النهي عن « بيع غير الموجود التابع للموجود » مثل بيع الثمار بعد بدوِّ صلاحها ، إذ أن هذا جائز بالاتفاق أيضاً كما يجوز بيع المقاثي والمباطخ.
ثالثاً : وأمّا حديث النهي عن « بيعتين في بيعة » فقد وردت عدّة روايات تنهى عن بيعتين في بيعة ، أو عن شرطين في بيع ، أو صفقتين في صفقة ، ولكنّ الكلام في معنى هذه الروايات وشمولها لما نحن فيه.
وقد فسّر الشافعي البيعتين في بيعة على نحوين :
١ ـ أن يقول بالنقد بكذا وبالنسيئة بكذا.
٢ ـ أن يقول : بعتك هذا العبد ـ مثلاً ـ بألف على أن تبيعني أو فلان يبيعني الدار بكذا ، أو يقول : أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا ، فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري (١).
أمّا التفسير الأول فهو الصحيح ، لأنّ البيع يكون باطلاً ؛ لتردّد الثمن عند العقد ، بل لم يحصل قصد الى أحدهما بالخصوص.
وأمّا التفسير الثاني للشافعي فهو لا يبطل المعاملة ، لأنّه من قبيل الالتزام في الالتزام ، فيشمله قوله عليهالسلام : « المؤمنون عند شروطهم » الذي تقدم ذكره.
__________________
(١) نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ، للرملي : ج ٣ ، ص ٤٣٣ وما بعدها ، وفتح القدير : ج ٥ ، ص ٢١٨.