ثانياً : إنّ ما نحن فيه يختلف عن بيع ما لا يملك ، ومن يقول : إنّ ما نحن فيه داخل تحت النهي الوارد عن بيع ما ليس عندك فهو قول خاطئ ، وتوضيح ذلك :
إنّ مفروض المسألة هو أنّ عقد البيع بين البنك والعميل يقع بعد شراء البنك للسلعة ووضعها بين يدي العميل ، وإنّما الذي تقدم من البنك والعميل هو الوعد ( الالتزام ) بالبيع في وقته بعد حصول البنك على السلعة المطلوبة ، بينما النهي ورد عمّن باع ولم يملك ، وهنا لم يوجد بيع من دون ملك ، وإنّما وجد التزام بالبيع في وقته ، كما إذا التزمتُ ببيع داري الى صديقي عند إرادة بيعها ، وهذا لا يسمّى ببيع الدار إلى الصديق.
ومن العجيب عدم تفرقة البعض بين أن يقول شخص لآخر : « بعتك سلعة كذا بمبلغ كذا » والسلعة ليست عنده ، وبين أن يقول شخص لآخر : اشترِ سلعة كذا وأنا ملتزم بشرائها منك بمبلغ كذا (١) ، إذ أنّ في الصورة الاُولى قد وجد حكم وضعي ، وهو النقل والانتقال ، إلاّ أنّ الشارع لم يوافق على صحة هذا الحكم ، أمّا في الصورة الثانية فلم يوجد البيع ، وإنّما وجد التزام من قبل المشتري بالشراء بكذا ، وهذا موضوع لحكم تكليفيٍّ يتوجّه إلى المشتري ، فإن لم يشترِ فهو قد خالف الحكم التكليفي الذي التزمه على نفسه ، أمّا نفس الحكم الوضعي ـ وهو النقل والانتقال ـ فلم يحصل حتى يقال : إنّ الشارع قد نهى عنه.
إذن الالتزام بالشراء من البنك هو موضوع حكم تكليفيٍّ بوجوب الشراء ، فإن حصل البنك على السلعة وعرضها على المشتري فاشتراه فهو بيع لسلعة يملكها البنك ، وإن لم يشترها المشتري فقد فعل حراماً ، ولكنّه لم يشتر بعد.
ثمّ إنّ حديث « لا تبع ما ليس عندك » قد ذكر الفقهاء : أنّ المراد منه النهي عن بيع العبد الآبق أو الجمل الشارد وأمثالهما الذي لا يتمكّن المشتري فيه من
__________________
(١) المرابحة للآمر بالشراء ، ملازم الصدّيق محمد الأمين الضرير : ص ٢.