قد يقال (١) بأنّنا لا نفهم الاطلاق من حرمة النظر إلى المماثل ، لأنّ هذا الحكم الذي هو خال عن الشهوة إنّما وجد من أجل الاحترام والاحتشام ، ففي كل مورد يوجد هناك غرض عقلائي لكشف العورة لا يكون الكشف محرماً ؛ لأنّه ؛ لا يكون خلاف الاحتشام والوقار.
وبعبارة اُخرى : أنّ الاستظهار العرفي من الآية القرآنية المتقدّمة ومن رواية « لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه » وأمثالها لا يفهم منه الاطلاق بعد إحراز أنَّ
__________________
(١) ذهب إلى هذا الدليل آية الله السيد كاظم الحائري ، وهو متين إذا احرزنا أن الحرمة التي جعلها الشارع المقدّس في النظر إلى المماثل هي حرمة احترامية ، ونستطيع أن نثبت ذلك بعدّة روايات ، منها :
١ ـ صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : « النظر إلى عورة مَن ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار ». وسائل الشيعة : ج ١ ، ب ٦ من أبواب آداب الحمّـام ، ح ١.
٢ ـ ما روي عن السكوني عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا حرمة لنساء أهل الذمّة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن ». وسائل الشيعة : ج ١٤ ، ب ١١٢ من مقدّمات النكاح وآدابه ، ح ١.
٣ ـ ما روي عن عباد بن صهيب قال : سمعت الصادق عليهالسلام يقول : « لا بأس بالنظر إلى رؤوس أهل تهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج ، لأنّهم إذا نهوا لا ينتهون ، قال : والمجنونة والمغلوبة على عقلها لا بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ما لم يتعمّد ذلك ». المصدر السابق : ب ١١٣ ، ح ١.
٤ ـ صحيحة محمد بن مسلم قال : سمعت الإمام الباقر عليهالسلام يقول : « ليس على الأمة قناع في الصلاة ولا على المدبَّرة ، ولا على المكاتبة إذا اشترط عليها قناع في الصلاة وهي مملوكة حتى تؤدّي جميع مكاتبتها ... ». المصدر السابق : ب ١١٤ ، ح ٢.
وهذه الروايات واضحة الدلالة على أنّ الحكم في الحجاب هو للاحترام ، ولذا يسقط هذا الحكم في صورة زوال الاحترام والاحتشام. ولكن لا يمكن العمل باطلاق الرواية الاُولى التي هي تشمل صورة نظر المماثل إلى المماثل ونظر المخالف إلى المخالف ؛ لوجود روايات تمنع من أن ينظر المخالف إلى المخالف إلاّ في صورة الاضطرار ، كما في صورة احتياج المرأة إلى الطبيب الذكر ، فتبقى صورة المماثلة يجوز فيها النظر إذا لم يكن خلاف الاحترام ، كما في صورة وجود غرض عقلائي من الكشف. قد يقال : إنّ الاحترام الذي يدور مداره الحكم الشرعي ليس بيد العرف ، لتربية الإسلام الخاصة لأتباعه ، ولهذا فقد ارتأى الإسلام أن الاحترام يرفع في صورة الاضطرار فقط.