صحيحة ، وذلك لأن التعارض بالاطلاق والتقييد ، لأنّ الروايات المجوزة موضوعها مطلق لصورة كون البيع قبل القبض بنحو التولية أو غيرها ، فيرفع اليد عن اطلاقها بالروايات المانعة عن البيع مرابحة ، على أنَّ الروايات المجوزة ضعيفة كما تقدم.
نعم : حَملُ ظاهر النهي على الكراهة إذا كان هناك نصّ على الجواز إنما يُصار إليه لو لم يكن إطلاق وتقييد في البين ، كما إذا كان التعارض بين الدليلين بنحو الإطلاق أو بنحو التقييد. ولذا نرى الفقهاء يتصرفون في موضوع الدليل دون الحكم في دليل آخر عند تعارضهما بالإطلاق والتقييد ، كما في تعارض « لا تعتق رقبة كافرة » و « اعتق رقبة » ، وكذا في تعارض « لا تكرم زيداً العالم » و « أكرم العلماء » حيث يرفعون اليد عن عموم الموضوع ، لا عن ظهور النهي في الحرمة.
وحينئذ يكون دليل « لا يجوز بيع المكيل والموزون مرابحةً إلاّ بعد كيله أو وزنه » مقيّداً لدليل « لا بأس ببيع المكيل والموزون قبل قبضه » بغير صورة المرابحة. ولا نرى مانعاً من التعبير عن الدليل المفصِّل ( وهو عدم جواز بيع المكيل والموزون مرابحة إلاّ بعد قبضه ، وبين جواز بيعه تولية ) بأنّه مفسِّر للدليل المطلق عند العُرف.
إذن لم يبقَ إلاّ القول الثالث والرابع ، وكل منهما له دليله من الروايات المروية عن الشارع المقدّس. ولكن في روايات القول الرابع ما يفيد : أن علّة المنع من بيع الطعام قبل قبضه هو الكيل ، وهي صحيحة الحلبي ، قال : « سألت الإمام الصادق عليهالسلام عن قوم اشتروا بزّاً ... أيصلح لأحد منهم بيع بزّه قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه ؟ قال عليهالسلام : لا بأس به ، وقال : إن هذا ليس بمنزلة الطعام لأن الطعام يكال » (١).
وبهذا نعرف أن الروايات التي ذكرت الطعام ومنعت من بيعه قبل قبضه إنّما كان لعلّة كيله ، فلا خصوصية للطعام ، فيتعيّن أن يكون القول الرابع هو الصحيح
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ١٢ ، ب ١٦ من أحكام العقود ، ح ١٠.