وحينئذ رجع الشيوخ والتجار ثملين بخمرة هذا الانتصار ولم يبالوا بمداخل البلد وضبطها من صولات الاعداء فعادوا كأنهم في مأمن ولم يبق ما يستدعي قلقهم فذهب كل من هؤلاء لشأنه وانسحب لمحله.
ولم تمض مدة حتى جاءت العربان أفواجا من جهة شط العرب لنصرة ابن بداق. هاجموا البلدة من جديد فدخلوها وبدأوا بنهب دور آل عبد السلام (١) وولدوا اضطرابا بسبب كثرتهم وشدة صولتهم. وفي هذه المعركة دارت الدائرة على التجار والمشايخ. وقتل من الشيوخ (ذو الكفل) والسريّ من آل (عبد السلام). وبهذا انفرط عقد نظام المشايخ والتجار وتبعثرت أحوالهم فعلت ضجة بلغت عنان السماء وقتل من التجار جماعة ، ولما رأى الأهلون الحالة وما وصلت إليه اختفى كل من أحس بخوف من حسين باشا كما أن جماعة من المشايخ رأوا أن لا طاقة لهم بالمقاومة فهربوا إلى جانب الوزير. نجوا فوصلوا إلى دار الأمان ، وحينئذ أخبروا بما وقع وقصوا القصة بآلامها وكان حالهم ينبىء عن خبرهم (٢).
وهذا ما قصه الشهابي البصري عن حالة البصرة قال :
«من حين أتى حسين باشا العليّة أرسل جندا فأخرجوا كل ما في الزكيّة من المدافع. ولما خرجت عياله من البلاد ، واختفت رجاله ولي البصرة شيوخها ، حصلوا على ادارتها حفظا للنظام وخوفا على البلاد من كيد أهل الشقاء لا رغبة في الحكم وحينئذ أخبروا الوزير إبراهيم باشا عن ذهاب كل أهل البلدة وأنها بقيت منحلة الادارة ... وأعلموا أنهم ضبطوا البلاد وطلبوا أن يأتيهم على عجل وحينئذ عقد الوزير مجلسا ،
__________________
(١) عبد السلام توفي سنة ١٠٣٥ ه وهو ابن الشيخ عبد القادر المتوفى سنة ٩٩١ ه. قال ذلك الشيخ ياسين آل باش أعيان. وترجمته في زاد المسافر. ومن أولاده الشيخ محمد شيخ الشيوخ. يأتي الكلام عليه وعلى آخرين منهم.
(٢) كلشن خلفا ص ٩٥ ـ ٢.