لأنّه مهما كان المذهب عالي المستوى ، والمنطق قويا ، فإنّ ذلك لا تأثير له ما دام لا يتزامن مع أسلوب صحيح للبحث والمجادلة مرفقا بالمحبّة بدلا من الخشونة. لذا فإنّ أوّل آية من هذه المجموعة تقول : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). الأحسن من حيث المحتوى والبيان ، والأحسن من حيث التلازم بين الدليل ومكارم الأخلاق والأساليب الإنسانية ، ولكن لماذا يستعمل هذا الأسلوب مع المعارضين؟
الجواب : إذا ترك الناس القول الأحسن واتبعوا الخشونة في الكلام والمجادلة ف (إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) ويثير بينهم الفتنة والفساد ، فلا تنسوا : (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً).
أمّا من هم (العباد) المقصودون في هذه الآية؟
في صدد الجواب هناك رأيان مختلفان بين المفسّرين ، وكل رأي مدعم بالقرآئن التي تؤيده ؛ هذان الرأيان هما :
أوّلا : المقصود من (عبادي) هم عبيده المشركون ، إذ بالرغم من أنّهم سلكوا طريقا خاطئا ، إلّا أنّ الله تبارك وتعالى يناديهم (عبادي) وذلك من أجل إثارة عواطفهم الإنسانية ، ويدعوهم إلى (القول الأحسن) ويعني هنا كلمة التوحيد وترك الشرك ومراقبة أنفسهم من وسواس الشيطان ، وهكذا يكون الهدف من هذه الآيات ـ بعد ذكر أدلة التوحيد والمعاد ـ هو النفوذ إلى قلوب المشركين حتى يستيقظ ذوي الاستعداد منهم.
الآيات التي تلي هذه الآية ـ كما سيأتي ـ تناسب هذا المعنى ، وكون هذه السورة مكّية يرجح هذا الرأي ، إذ لم يكن الجهاد قد فرض بعد وكانت الدعوة بالمنطق والأسلوب الحسن فقط هي المأمور بها.
ثانيا : كلمة (عبادي) خطاب للمؤمنين ، حيث تعلّمهم الآية أسلوب النقاش مع الأعداء ، فقد يحدث في بعض الأحيان أن يتعامل المؤمنون الجدد بخشونة مع