معارضي عقيدتهم ويقولون لهم بأنّهم من أهل النّار والعذاب ، وأنّهم ضالون ، ويعتبرون أنفسهم من الناجين ، قد يكون هذا الموقف سببا في أن يقف المعارضون موقفا سلبيا إزاء دعوة الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
اضافة لذلك ، فإنّ الاتهامات التي يطلقها المشركون ضدّ شخص رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ويتهمونه فيها بالسحر والجنون والكهانة والشعر ، قد تكون سببا في أن يفقد المؤمنون السيطرة على أنفسهم ويبدأوا بالتشاجر مع المشركين ويستخدموا الألفاظ الخشنة ضدّهم ... القرآن يمنع المؤمنين من هذا العمل ويدعوهم إلى التزام اللين والتلطّف بالكلام واختيار أفضل الكلمات في أسلوب التخاطب ، حتى يأمنوا من إفساد الشيطان.
كلمة (بينهم) وفقا لهذا الرأي توضح أنّ الشيطان يحاول زرع الفساد بين المؤمنين ومن يخالفهم ؛ أو أنّه يحاول النفوذ إلى قلوب المؤمنين لإفسادها «ينزغ» مشتقة من «نزغ» وتعني الدخول إلى عمل بنيّة الإفساد.
بملاحظة مجموع هذه القرائن يتبيّن لنا أنّ التّفسير الثّاني ينطبق مع ظاهر الآية الكريمة أكثر من التّفسير الأوّل ، لأنّ كلمة (عبادي) في القرآن تستخدم عادة لمخاطبة المؤمنين ، إضافة إلى أنّ سبب نزول الآية يؤيد هذا المعنى ويدعم هذا التّفسير ، إذ ينقل بعض المفسّرين أنّ المشركين كانوا يؤذون أصحاب الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في مكّة ويضيّقون عليهم ، وفي أثناء ذلك كان بعضهم يأتي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يستأذنه ويلح عليه في مواجهة المشركين بالمثل (على الأقل الرد عليهم بألفاظ شديدة تناسب ألفاظ المشركين) والبعض يطلب الإذن بالجهاد ، ولكن الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يبيّن لهم بأنّه لم يؤذن له بعد القيام بهذه الأعمال. وفي هذه الأثناء نزلت الآيات أعلاه تؤكّد بأن التكليف ما زال يتمثل في استمرار الدعوة بالكلام ، والمجادلة باللطف وبالتي هي أحسن (١).
__________________
(١) إلى هذا الرأي يذهب الشّيخ الطبرسي في مجمع البيان ، والقرطبي في تفسيره. يراجح تفسيرهما للآية الكريمة.