الآية التي بعدها تضيف : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ). بناء على الرأيين السابقين في تفسير من المخاطب في تعبير (عبادي) فإنّ هذه الآية أيضا ـ وتبعا لما سبق ـ تحتمل تفسيرين هما :
الأوّل : أيّها المشركون ؛ إنّ ربّكم ذو رحمة واسعة ، وذو عقاب اليم ، وسيشملكم منهما ما يلائم أعمالكم ، ولكن الأفضل أن تتوسلوا برحمته الواسعة وتحذروا عذابه.
الثّاني : لا تظنوا أيّها المؤمنون بأنّكم وحدكم الناجون ، وأن غيركم سيكون مصيره النّار ، فالله أعلم بأعمالكم ونواياكم ، ولو أراد عزوجل لأخذكم بذنوبكم ، ولو شاء لشملكم برحمته ، ففكروا قليلا في أنفسكم وليكن حكمكم على أنفسكم والآخرين بالانصاف.
وفي آخر الآية مواساة للرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي كان يتأذى ويتألم من عدم إيمان المشركين، إذ يقول تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً). إنّ مسئوليتك ـ يا رسول الله ـ هي الإبلاغ الواضح ، والدعوة الحثيثة نحو الحق ، فإذ آمنوا فهو الأفضل ، أمّا إن لم يؤمنوا فسوف لن يصيبك ضرر ، لأنك أنجزت مسئوليتك وقمت بواجبك.
وبالرغم من أنّ المخاطب في الآية هو الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إلّا أنّ من غير المستبعد أن يكون هدف الخطاب جميع المؤمنين. وهذا دليل آخر على التّفسير الثّاني للمعنى من خطاب (عبادي) ، إذ يقول القرآن للمؤمنين : إنّ مسئوليتكم هي الدعوة سواء آمنوا أم لم يؤمنوا. لذا لا داعي لعدم ارتياحكم الذي قد يؤدي بكم إلى اتباع الخشونة مع غير المؤمنين ، والخروج بالتالي عن طريق التي هي أحسن ، ممّا يؤدي إلى نزغ الشيطان.
الآية التّالية ذهبت أكثر من الآية السابقة في التعبير عن إحاطه الله تبارك وتعالى وعلمه بأعمال ونيّات عباده ، فقالت : (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ