وَالْأَرْضِ). ثمّ أضافت : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً).
هذا التعبير القرآني جواب على أحد أسئلة المشركين وشكوكهم ، حيث كانوا يقولون ـ بأسلوب استهزائي ـ لماذا انتخب الله للنّبوة محمّد اليتيم ، ثمّ ما الذي حصل حتى أصبح هذا اليتيم ليس نبيّا وحسب ، وإنّما خاتم الأنبياء؟
القرآن يقول لهؤلاء : لا تعجبوا من ذلك ، لأنّ الله عليم بقيمة كل إنسان ، وهو سبحانه وتعالى ينتخب أنبياءه من بين عامّة الناس ، ويفضل بعضهم على بعض ، إذ جعل أحدهم (خليل الله) والآخر (كليم الله) والثّالث (روح الله) ، أمّا نبيّنا فقد انتخبه بعنوان (حبيب الله). وباختصار : لقد فضل الله بعض النّبيين على بعض لموازين يعلمها هو وتختص بها حكمته جلّ وعلا.
أمّا لماذا اختار تبارك وتعالى (داود) من بين جميع الأنبياء ، وذكر (الزبور) من دون الكتب السماوية الأخرى؟ ... قد يكون السبب ما يلي :
أوّلا : يختص زبور داود عليهالسلام من بين جميع كتب الأنبياء بأنّ جميعه على شكل مناجاة ودعاء ، وذكره هنا يتلائم أكثر مع موقع هذه الآيات وحديثها عن القول الحسن والكلام الجميل.
ثانيا : في زبور داود إخبار عن حكومة الصالحين الذين هم ظاهرا أناس فقراء ويتامى. وهذا الإخبار يتناسب مع دعوة الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين الذين يكونوا عادة في زمرة الفقراء، وهو رد على إشكال المشركين وأسئلتهم وشكوكهم (١).
ثالثا : بالرّغم من أنّ داود عليهالسلام كان له حكم عظيم ودولة كبيرة وملك واسع ، إلّا
__________________
(١) في كتاب مزامير داود (الزّبور) والذي بين أيدينا الآن ، نقرأ في الزبور (٢٧) : «لأنّ الشريرين سوف ينقطعون ، أمّا المتوكلون على الله فسيرثون الأرض ، وبعد مدّة سوف لا يكون هناك شريرين ، أمّا الحكماء والصالحون فسيرثون الأرض». وفي المزمور في الجملة (٢٢) و (٢٩) نقرأ تعابير مشابهة. وهذا ينطبق مع ما جاء في القرآن الكريم في الآية (١٠٥) من سورة الأنبياء : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ).