الكثير من الآيات القرآنية ، إذ نقرأ على سبيل المثال قوله تعالى في الآية (١٥٥) من سورة النساء : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً).
ولكن هناك من يتذرّع بشتى الحجج والذرائع لإثبات فكرة الجبر ودعم مذهبه في ذلك، دون أن يأخذ بنظر الاعتبار بقية هذه الآية ، وسائر الآيات القرآنية الأخرى التي تفسرها ، بل يعتمد على ظواهر ألفاظ الآيات ويتخذها سندا لإثبات مقولة الجبر ، في حين أنّ الجواب على ذلك ـ كما أسلفنا ـ واضح بدرجة كبيرة.
إنّ البرنامج التربوي للخالق جلّ وعلا هو أن يعطي لعباده الفرصة بعد الأخرى ، وهو جلّ وعلا لا يعاقب بشكل فوري مثل الجبارين والظالمين ، بل إنّ رحمته الواسعة تقتضي دوما إعطاء أوسع الفرص للمذنبين ، لذا فإنّ الآية التي بعدها تقول : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ).
(لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ). فإذا كانت الإرادة الإلهية تقتضي إنزال العذاب بسبب ارتكابهم للذنوب لتحقّق ذلك فورا.
(بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) (١).
فغفرانه تعالى يقضي أن يرحم التوابين ، ورحمته تقضي أن لا يعجّل عذاب غيرهم ، إذ من المحتمل أن يلتحق بعضهم بصفوف التوابين ، إلّا أن عدالته تعالى تقتضي مجازاة المذنبين العاصين الظالمين عند ما يصل طغيانهم وتمردهم إلى أقصى درجاته ، وعند ما يكون بقاء مثل هؤلاء الأفراد الفاسدين المفسدين الذين لا يوجد أمل في إصلاحهم ، عبثا وبدون فائدة ، لذا ينبغي تطهير الأرض منهم ، ومن لوث وجودهم.
__________________
(١) (موئل) من كلمة (وئل) وتعني الملجأ ووسيلة النجاة.