أن يكون عبدا حقيقيا للخالق جلّ وعلا ، وإنّ مقام العبودية هذا يكون سببا في شمول الإنسان بالرحمة الإلهية ، وفتح أبواب المعرفة والعلم في قلبه.
كما أنّ استخدام عبارة (مِنْ لَدُنَّا) تبيّن أنّ علم ذلك العالم لم يكن علما عاديا ، بل كان يعرف جزءا من أسرار هذا العالم ، وأسرار الحوادث التي لا يعلمها سوى الله تعالى.
أمّا استخدام (علما) بصيغة النكرة فهو للتعظيم ، ويتبيّن من ذلك أنّ ذلك الرجل العالم قد حصل من علمه على فوائد عظيمة.
أمّا ما هو المقصود من عبارة (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) فقد ذكر المفسّرون تفاسير مختلفة ، فقال بعضهم : إنّها إشارة إلى مقام النبوة ، والبعض الآخر اعتبرها إشارة للعمر الطويل. ولكن يحتمل أن يكون المقصود هو الاستعداد الكبير والروح الواسعة ، وسعة الصدر التي وهبها الله تعالى لهذا الرجل كي يكون قادرا على استقبال العلم الإلهي.
أمّا ما ذكر من أنّ هذا الرجل اسمه (الخضر) وفيما إذا كان نبيّا أم لا ، فسوف نبحث كل ذلك في البحوث القادمة.
في هذه الأثناء قال موسى للرجل العالم باستفهام وبأدب كبير : (قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً).
ونستفيد من عبارة «رشدا» أنّ العلم ليس هدفا ، بل هو وسيلة للعثور على طريق الخير والهداية والصلاح ، وأنّ هذا العلم يجب أن يتعلّم ، وأن يفتخر به.
في معرض الجواب نرى أنّ الرجل العالم مع كامل العجب لموسى عليهالسلام (قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً).
ثمّ بيّن سبب ذلك مباشرة وقال : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً).
وكما سنرى فيما بعد ، فإنّ هذا الرجل العالم كان يحيط بأبواب من العلوم التي تخص أسرار وبواطن الأحداث ، في حين أنّ موسى عليهالسلام لم يكن مأمورا