بمعرفة البواطن ، وبالتالي لم يكن يعرف عنها الكثير ، وفي مثل هذه الموارد يحدث كثيرا أن يكون ظاهر الحوادث يختلف تمام الاختلاف عن باطنها ، فقد يكون الظاهر قبيحا أو غير هادف في حين أنّ الباطن مفيد ومقدّس وهادف لأقصى غاية.
في مثل هذه الحالة يفقد الشخص الذي ينظر إلى الظاهر صبره وتماسكه فيقوم بالاعتراض وحتى بالتشاجر.
ولكن الأستاذ العالم والخبير بالأسرار بقي ينظر إلى بواطن الأعمال ، واستمر بعمله ببرود ، ولم يعر أي أهمية إلى اعتراضات موسى وصيحاته ، بل كان في انتظار الفرصة المناسبة ليكشف عن حقيقة الأمر ، إلّا أنّ التلميذ كان مستمرا في الإلحاح ، ولكنّه ندم حين توضحت وانكشفت له الأسرار.
وقد يكون موسى عليهالسلام اضطرب عند ما سمع هذا الكلام وخشي أن يحرم من فيض هذا العالم الكبير ، لذا فقد تعهد بأن يصبر على جميع الحوادث وقال : (قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً).
مرّة أخرى كشف موسى عليهالسلام عن قمة أدبه في هذه العبارة ، فقد اعتمد على خالقه حيث لم يقل للرجل العالم : إنّي صابر ، بل قال : إن شاء الله ستجدني صابرا.
ولأنّ الصبر على حوادث غريبة وسيئة في الظاهر والتي لا يعرف الإنسان أسرارها ، ليس بالأمر الهيّن ، لذا فقد طلب الرجل العالم من موسى عليهالسلام أن يتعهد له مرّة أخرى ، وحذّره : (قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) (١). وقد أعطى موسى العهد مجددا وانطلق مع العالم الأستاذ.
* * *
__________________
(١) إن عبارة (أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) يكون مفهوما بعد الأخذ بنظر الإعتبار كلمة (أحدث) هو : إنّي أنا الذي أبدأ بالكلام وأكشف للمرّة الأولى ؛ أمّا أنت فلا تتكلم.