ولأنّ «السين» في (سأتلوا) تستخدم عادة للمستقبل القريب ، والرّسول هنا يتحدّث مباشرة إليهم عن ذي القرنين ، فمن المحتمل أن يكون ذلك منه صلىاللهعليهوآلهوسلم احتراما ومراعاة للأدب ؛ الأدب الممزوج بالهدوء والتروي ، الأدب الذي يعني استلهامه للعلم من الله تبارك وتعالى ، ونقله إلى الناس.
إنّ بداية الآية تبيّن لنا أنّ قصة «ذو القرنين» كانت متداولة ومعروفة بين الناس ، ولكنّها كانت محاطة بالغموض والإبهام ، لهذا السبب طالبوا الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم الإدلاء حولها بالتوضيحات اللازمة.
وفي استئناف الحديث عن ذي القرنين يقول تعالى : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ). أي منحناه سبل القوة والقدرة والحكم.
(وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً).
بالرغم من أنّ مفهوم (السبب) يعني الحبل المستخدم في تسلّق النخيل ، الّا أن بعض المفسّرين يحصره في الوسائل المستخدمة في إنجاز الأعمال ، إلّا أنّ الواضح من مفهوم الآية أنّ الكلمة المذكورة يراد منها معناها ومفهومها الواسع ، حيث أنّ الله تبارك وتعالى منح «ذو القرنين» أسباب الوصول لكل الأشياء : العقل ، العلم الكافي ، الإدارة السليمة ، القوّة والقدرة ، الجيوش والقوى البشرية ، بالإضافة إلى الإمكانات المادية. أي إنّه منح كل الأسباب والسبل المادية والمعنوية الكفيلة بتحقيق الأهداف المنشودة.
ثمّ يشير القرآن بعد ذلك إلى استفادة ذي القرنين من هذه الأسباب والسبل فيقول:(فَأَتْبَعَ سَبَباً).
ثمّ (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ).
فرأي أنّها تغرب في بحر غامق أو عين ذات ماء آجن : (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) (١).
__________________
(١) (حمئة) تعني في الأصل الطين الأسود ذا الرائحة الكريهة ؛ أو الماء الآسن الموجود في المستنقعات. وهذا