(وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) أي مجموعة من الناس فيهم الصالح والطالح ، هؤلاء القوم هم الذين خاطب الله ذا القرنين في شأنهم : (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) (١).
ويرى بعض المفسّرين في كلمة (قلنا) دليلا على نبوة ذي القرنين. ولكن من المحتمل أن يكون المقصود بهذا التعبير هو الإلهام القلبي الذي يمنحه الخالق جلّ وعلا لغير الأنبياء أيضا ، هذا وليس بالإمكان انكار أنّ التعبير الآنف الذكر يشير بالفعل إلى معنى النّبوة.
بعد ذلك تحكي الآيات جواب «ذي القرنين» الذي قال : (قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) (٢). أي إنّ الظالمين سينالون العذاب الدنيوي والأخروي معا.
(وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى).
(وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً).
أي أنّنا سنتعامل معه بالقول الحسن ، فضلا عن أنّنا سنخفف عنه ولا نجعله يواجه المشاكل والصعاب ، بالإضافة إلى أنّنا سوف لن نجبي منه ضرائب كثيرة.
والظاهر أنّ ذا القرنين أراد من ذلك أن الناس سينقسمون مقابل دعوتي الى التوحيد والإيمان والنهي عن الظلم والفساد إلى مجموعتين ، الأولى : هي المجموعة التي سترحب ببرنامجه الإلهي ودعوته للتوحيد والإيمان وهذه
__________________
الوصف يبيّن لنا بأنّ الأرض التي بلغها «ذو القرنين» كانت مليئة بالمستنقعات ، بشكل كان ذو القرنين يشعر معه بأنّ الشمس كانت تغرب في هذه المستنقعات ، تماما كما يشعر بذلك مسافر البحر ، وسكّان السواحل الذين يشعرون بأنّ الشمس قد غابت في البحر أو خرجت منه!.
(١) ـ يظهر أن جملة (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ ...) استفهامية بالرغم من أنّ ظاهرها أنّها جملة خبرية.
(٢) «نكر» مشتقة من «منكر» بمعنى الشيء المجهول ؛ أي العذاب المجهول الذي لم يمكن تصوره.