ولذلك فإنّ موسى بعد طلب انشرح الصدر ، ورفع الموانع والعقبات ، طلب من الله حل العقدة من لسانه.
خاصّة وأنّه بيّن علة هذا الطلب فقال : (يَفْقَهُوا قَوْلِي) فهذه الجملة في الحقيقة تفسير للآية التي قبلها ، ومنها يتّضح أنّ المراد من حلّ عقدة اللسان لم يكن هو التلكؤ وبعض العسر في النطق الذي أصاب لسان موسى عليهالسلام نتيجة احتراقه في مرحلة الطفولة ـ كما نقل ذلك بعض المفسّرين عن ابن عباس ـ بل المراد عقد اللسان المانعة من إدراك وفهم السامع ، أي أريد أتكلم بدرجة من الفصاحة والبلاغة والتعبير بحيث يدرك أي سامع مرادي من الكلام جيدا.
والشاهد الآخر على هذا التعبير هي الآية (٣٤) من سورة القصص : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً). واللطيف في الأمر أن «أفصح» من مادة فصيح ، وهي في الأصل كون الشيء خالصا من الشوائب ، ثمّ أطلقت على الكلام البليغ المعبر الخالي من الحشو والزيادات.
وعلى كل حال ، فإنّ القائد والقدوة والموفق والمنتصر هو الذي يمتلك إضافة إلى سعة الفكر وقدرة الروح ، بيانا أخاذا بليغا خاليا من كل أنواع الإبهام والقصور.
ولما كان إيصال هذا الحمل الثقيل ـ حمل رسالة الله ، وقيادة البشر وهدايتهم ، ومحاربة الطواغيت والجبابرة ـ إلى المحل المقصود يحتاج إلى معين ومساعد ، ولا يمكن أن يقوم به إنسان بمفرده ، فقد كان الطلب الرابع لموسى من الله هو : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي).
«الوزير» من مادة الوزر ، وهي في الأصل تعني الحمل الثقيل ، ولما كان الوزراء يتحملون كثيرا من الأحمال الثقيلة على عاتقهم ، فقد أطلق عليهم هذا الاسم ، وكذلك تطلق كلمة الوزير على المعاون والمساعد.
أمّا لماذا طلب موسى أن يكون هذا الوزير من أهله؟ فسببه واضح ، لأنّه