يعرفه جيدا ، ومن جهة أخرى فإنّه أحرص من غيره ، فكم هو جيد وجميل أن يستطيع الإنسان أن يتعاون مع شخص تربطه به علائق روحية وجسمية؟!
ثمّ يشير إلى أخيه ، فيقول : (هارُونَ أَخِي) وهارون ـ حسب نقل بعض المفسّرين ـ كان الأخ الأكبر لموسى ، وكان يكبره بثلاث سنين ، وكان طويل القامة ، جميلا بليغا ، عالي الإدراك والفهم ، وقد رحل عن الدنيا قبل وفاة موسى بثلاث سنين (١).
وقد كان نبيّا مرسلا كما يظهر من الآية (٤٥) من سورة المؤمنون : (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ). وكذلك كانت له بصيرة بالأمور وميزانا باطنيا لتمييز الحق من الباطل ، كما ورد في الآية (٤٨) من سورة الأنبياء : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً). وأخيرا فقد كان نبيّا وهبه الله لموسى من رحمته : (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) (٢) ، فقد كان يسعى جنبا إلى جنب مع أخيه في أداء هذه الرسالة الثقيلة.
صحيح أن موسى عليهالسلام عند ما طلب ذلك من الله في تلك الليلة المظلمة في الوادي المقدس حيث حمّل الرسالة ، كان قد مضى عليه أكثر من عشر سنين بعيدا عن وطنه ، إلّا أنّ ارتباطه ـ عادة ـ بأخيه لم يقطع بصورة كاملة ، بحيث أنّه يتحدث بهذه الصراحة عنه ، ويطلب من الله أن يشاركه في هذا البرنامج الكبير.
ثمّ يبيّن موسى عليهالسلام هدفه من تعيين هارون للوزارة والمعونة فيقول : (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) و «الأزر» أخذت في الأصل من مادة الإزار ، أي اللباس ، وتطلق خاصّة على اللباس الذي يشد ويعقد وسطه ، ولذلك قد تطلق هذه الكلمة على الظهر أو القوّة والقدرة لهذا السبب
ويطلب ، من أجل تكميل هذا المقصد والمطلب : (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)
__________________
(١) مجمع البيان ذيل الآية.
(٢) مريم ، ٥٣.