الحواري (١) في بعض أيام المقتدر بالله ، وقد جرى حديثه ـ وعظم أمره وكثرة الخدم في داره : قد اشتملت الجريدة في هذا الوقت على أحد عشر ألف خادم خصي ، وكذا من صقلبي ورومي وأسود. وقال : هذا جنس واحد ممن تضمه الدار فدع الآن الغلمان الحجريّة وهم ألوف كثيرة ، والحواشي من الفحول.
وقال أيضا : حدّثني أبو الفتح عن أبيه وعمه عن أبيهما أبي القاسم على بن يحيى : أنه كانت عدة كل نوبة من نوب الفراشين في دار المتوكل على الله ، أربعة آلاف فراش. قالا : فذهب علينا أن نسأله كم نوبة كانوا؟
حدّثني هلال بن المحسن قال حدّثني أبو نصر خواشاذة خازن عضد الدولة قال : طفت دار الخلافة ، عامرها وخرابها وحريمها وما يجاورها ويتاخمها ، فكان ذلك مثل مدينة شيراز.
قال هلال : وسمعت هذا القول من جماعة آخرين عارفين خبيرين. ولقد ورد رسول لصاحب الروم في أيام المقتدر بالله ، ففرشت الدار بالفروش الجميلة ، وزينت بالآلات الجليلة ، ورتّب الحجاب وخلفاؤهم والحواشي على طبقاتهم. على أبوابها ودهاليزها وممراتها ومخترقاتها وصحونها ومجالسها ، ووقف الجند صفين بالثياب الحسنة ، وتحتهم الدواب بمراكب الذهب والفضة ، وبين أيديهم الجنائب على مثل هذه الصورة. وقد أظهروا العدد المكسيّة (٢) والأسلحة المختلفة ، فكانوا من أعلى باب الشماسية وإلى قريب من دار الخلافة ، وبعدهم الغلمان الحجرية والخدم الخواص الداريّة والبرّانية إلى حضرة الخليفة ، بالبزّة الرائعة والسيوف والمناطق المحلاة. وأسواق الجانب الشرقي وشوارعه وسطوحه ومسالكه مملوءة بالعامة النظّارة ، وقد اكترى كل دكان وغرفة مشرفة بدراهم كثيرة ، وفي دجلة الشذّاءات والطيّارات والزبازب والدلالات (٣) والسميريات ، بأفضل زينة وأحسن ترتيب وتعبية ، وسار الرسول ومن معه من المواكب إلى أن وصلوا إلى الدار ، ودخل الرسول فمر به على دار نصر القشوري الحاجب. ورأى ضففا (٤) كثيرا ومنظرا عظيما ، فظن أنه الخليفة وتداخلته له
__________________
(١) في مطبوعة باريس : «الخوارزمي».
(٢) في مطبوعة باريس : «العدد الكثيرة».
(٣) في مطبوعة باريس : «الزلالات».
(٤) في مطبوعة باريس : «صففا» تصحيف والضفف : الجماعة مع ازدحام.