بالمقبرة التي تليه ، ومكث خرابا إلى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، فأمر الأمير بجكم بإعادة بنائه وتوسعته وإحكامه ، فبني بالجصّ والآجرّ وسقف بالساج المنقوش ، ووسّع فيه ببعض ما يليه مما ابتيع له من أملاك الناس ، وكتب في صدره اسم الراضي بالله ، وكان الناس ينتابونه للصلاة فيه والتبرك به ، ثم أمر المتقي بالله بعد بنصب منبر فيه كان بمسجد مدينة المنصور معطّلا مخبوّا في خزانة لمسجد عليه اسم هارون الرشيد ، فنصب في قبلة المسجد ، وتقدم إلى أحمد بن الفضل بن عبد الملك الهاشميّ ، وكان الإمام في جامع الرصافة بالخروج إليه والصلاة بالناس فيه يوم الجمعة ، فخرج وخرج الناس من جانبي مدينة السّلام حتى حضروا في هذا المسجد ، وكثر الجمع هناك وحضر صاحب الشرطة. فأقيمت صلاة الجمعة فيه يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، وتوالت صلاة الجمعة فيه وصار أحد مساجد الحضرة ، وأفرد أبو الحسن أحمد بن الفضل الهاشميّ بإمامته ، وأخرجت الصلاة بمسجد جامع الرصافة عن يده.
قال الشيخ أبو بكر : ذكر معنى جميع ما أوردته إسماعيل بن على الخطبي فيما.
أنبأنا إبراهيم بن مخلد أنه سمعه منه. وحدّثني أبو الحسين هلال بن المحسن الكاتب أن الناس تحدّثوا في ذي الحجة من سنة تسع وسبعين وثلاثمائة ، بأن امرأة من أهل الجانب الشرقي رأت في منامها النبي صلىاللهعليهوسلم كأنه يخبرها بأنها تموت من غد عصرا ، وأنه صلى في مسجد بقطيعة أم جعفر من الجانب الغربي في القلاءين (١) ، ووضع كفه في حائط القبلة ، وأنها فسرت هذه الرؤيا عند انتباهها من نومها ، فقصد الموضع ووجد أثر كف ، وماتت المرأة في ذلك الوقت ، وعمر المسجد ووسّعه أبو أحمد الموسوي بعد ذلك وكبّره وبناه وعمّره واستأذن الطائع لله في أن يجعله مسجدا يصلي فيه أيام الجمعات ؛ واحتج بأنه من وراء خندق يقطع بينه وبين البلد ، ويصير به ذلك الصّقع بلدا آخر ، فأذن في ذلك وصار جامعا يصلى فيه الجمعات.
وذكر لي هلال بن المحسن أيضا : أن أبا بكر محمّد بن المحسن بن عبد العزيز الهاشميّ : كان بنى مسجدا بالحربيّة في أيام المطيع لله ليكون جامعا يخطب فيه ؛ فمنع المطيع من ذلك ومكث المسجد على تلك الحال حتى استخلف القادر بالله فاستفتى الفقهاء في أمره ، فأجمعوا على وجوب الصلاة فيه : فرسم أن يعمّر ويكسى وينصب
__________________
(١) في الأصل : «القافلايين».