المعتضد بالله بضيق المسجد الجامع بالجانب الغربي من مدينة السّلام في مدينة المنصور ، وأن الناس يضطرهم الضيق إلى أن يصلوا في المواضع التي لا تجوز في مثلها الصلاة ، فأمر بزيادة فيه من قصر أمير المؤمنين المنصور ، فبنى مسجد على مثال المسجد الأول في مقداره أو نحوه ، ثم فتح في صدر المسجد العتيق ووصل به فاتسع به الناس. وكان الفراغ من بنائه والصلاة فيه سنة ثمانين ومائتين.
قال الشيخ أبو بكر : وزاد بدر مولى المعتضد من قصر المنصور المسقطات المعروفة بالبدرية في ذلك الوقت ، وأما المسجد الجامع بالرصافة فإن المهديّ بناه في أول خلافته.
أخبرنا بذلك محمّد بن الحسين [بن الفضل (١)] القطّان قال : أنبأنا عبد الله بن جعفر بن درستويه قال نبأنا يعقوب بن سفيان قال : سنة تسع وخمسين ومائة فيها بنى المهديّ المسجد الذي بالرصافة ، فلم تكن صلاة الجمعة تقام بمدينة السّلام إلا في مسجدي المدينة بالرصافة إلى وقت خلافة المعتضد ، فلما استخلف المعتضد أمر بعمارة القصر المعروف بالحسنىّ على دجلة في سنة ثمانين ومائتين وأنفق عليه مالا عظيما. وهو القصر المرسوم بدار الخلافة ، وأمر ببناء مطامير في القصر رسمها هو للصنّاع ، فبنيت بناء لم ير مثله على غاية ما يكون من الإحكام والضيق ، وجعلها محابس للأعداء. وكان الناس يصلون الجمعة في الدار ، وليس هناك رسم لمسجد ، وإنما يؤذن للناس في الدخول وقت الصلاة ويخرجون عند انقضائها ، فلما استخلف المكتفي في سنة تسع وثمانين ومائتين ، ترك القصر وأمر بهدم المطامير التي كان المعتضد بناها ، وأمر أن يجعل موضعها مسجد جامع في داره يصلي فيه الناس ، فعمل ذلك وصار الناس يبكّرون إلى المسجد الجامع في الدار يوم الجمعة فلا يمنعون من دخوله ، ويقيمون فيه إلى آخر النهار. وحصل ذلك رسما باقيا إلى الآن ، واستقرت صلاة الجمعة ببغداد في المساجد الثلاثة التي ذكرناها إلى وقت خلافة المتّقي. كان في الموضع المعروف ببراثا مسجد يجتمع فيه قوم ممن ينسب إلى التشيّع ويقصدونه للصلاة والجلوس فيه ، فرفع إلى المقتدر بالله أن الرافضة يجتمعون في ذلك المسجد لسب الصحابة والخروج عن الطاعة ، فأمر بكبسه يوم جمعة وقت الصلاة ، فكبس وأخذ من وجد فيه فعوقبوا ، وحبسوا حبسا طويلا ، وهدم المسجد حتى سوّي بالأرض وعفى رسمه ووصل
__________________
(١) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل ، وأضيف من مطبوعة باريس.