بجميل الأوصاف ، وقلّ ما اجتمع اثنان متشاكلان وكان أحدهما بغداديّا إلا كان المقدم في لطف الفطنة ، وحسن الحيلة ، وحلاوة القول ، وسهولة البذل ؛ ووجد ألينهما معاملة ، وأجملهما معاشرة ، وكان حكم المدائن إذ كانت عامرة آهلة هذا الحكم.ولم تزل دار مملكة الأكاسرة ؛ محل كبار الأساورة ، ولهم بها آثار عظيمة ، وأبنية قديمة. منها الإيوان العجيب الشأن ، لم أر في معناه أحسن منه صنعة ، ولا أعجب منه عملا ؛ وقد وصفه أبو عبادة الوليد بن عبيد البحتري في قصيدته التي أولها :
صنت نفسي عمّا يدنّس نفسي |
|
وترفعت عن جدا كل جبس |
إلى أن قال :
وكأنّ الإيوان من عجب الصّن |
|
عة جوب في جنب أرعن جلس |
يتظنّى من الكآبة إذ يب |
|
دو لعيني مصبح أو ممسي |
مزعجا بالفراق عن أنس إلف |
|
عزّ أو مرهقا بتطليق عرس |
عكست حظّه الليالي وبات ال |
|
مشترى فيه وهو كوكب نحس |
فهو يبدي تجلّدا وعليه |
|
كلكل من كلاكل الدهر مرسي |
لم يعبه أن بزّ من بسط الدي |
|
باج واستلّ من ستور الدّمقس |
مشمخرّ تعلو له شرفات |
|
رفعت في رءوس رضوى وقدس |
لابسات من البياض فما تب |
|
صر منها إلا سبائخ (١) برس |
ليس يدرى أصنع إنس لجنّ |
|
سكنوه أم صنع جنّ لإنس |
غير أني أراه يشهد أن لم |
|
يك بانيه في الملوك بنكس |
أنشدني الحسن بن محمّد بن القاسم العلوي قال أنشدنا أحمد بن على البتي قال أنشدنا أبو سهل أحمد بن محمّد بن عبد الله القطّان قال أنشدنا البحتريّ لنفسه قال :
صنت نفسي عمّا يدنّس نفسي
وذكر القصيدة بطولها.
أخبرني على بن أيّوب القمي قال أنبأنا محمّد بن عمران الكاتب قال : أخبرني الصولي قال : سمعت عبد الله بن المعتز يقول : لو لم يكن للبحتري من الشعر غير قصيدته السينية في وصف إيوان كسرى ـ فليس للعرب سينية مثلها ـ وقصيدته في
__________________
(١) في ديوان البحتري : «إلا فلائل».