ومنتخبات وأجزاء حديثية يختلط فيها الحديث والضعيف ، وقد تعقب الخطيب بعضها وانتقدها ، ولكنه لم يفعل ذلك دائما ، ولتعقيبات الخطيب على الأحاديث أهمية كبيرة لتضلعه في الحديث وعلومه. (١)
وهكذا فإن الخطيب استفاد من المؤلفات التي سبقته في تأليف كتابه ، حتى إن ما اقتبسه يكوّن حوالى ثلاثة أرباح مادة كتابه.
ولا شك أن الخطيب وجد أمامه مكتبه هائلة في التراجم والتاريخ والأدب انتقى منها مصادره ، ثم انتقى من مصادره الروايات التي ضمنها «تاريخ بغداد» فمعلوماته عن صاحب الترجمة قد تكون أوسع بكثير مما كتبه عنه ، وقد صرح الخطيب بذلك في أحد المواضع.
وعملية الانتقاء هذه ضرورية في مصنفه لعدة أسباب : منها الحذر من تضخم كتابه فهو مع اقتضابه في معظم التراجم جاء بحجم كبير. ومنها تكرر المعلومات بسبب تماثل الروايات عن صاحب الترجمة في الكتب المختلفة.
وقد حاول الخطيب أن يقدم ترجمة متكاملة تحتوى على التعريف بصاحب الترجمة بذكر اسمه ونسبه وكنيته وشيوخه وتلاميذه ، وأحيانا يسرد بعض أخباره الدالة على أخلاقه ومكانته ، ثم أقوال النقاد في بيان حاله من الجرح والتعديل ، ثم تاريخ وفاته ، وربما موضع قبره.
وهذا قد يضطره أحيانا إلى أن يقتطع أجزاء من النصوص المقتبسة ليمنع تكرر المعلومات وليؤلف بينها في محاولة تكوين عناصر الترجمة الضرورية ؛ لكن المقارنات مع الأصول التي اقتبس منها تدل على عدم تصرفه بأسلوب المصنفين الذين نقل عنهم ، بل كان مثالا للأمانة العلمية والدقة. (٢)
والخطيب عالم ناقد متفحص ، وتظهر سعة اطلاعه وقابليته على النقد والتمحيص في بيان أوهام العلماء والمصنفين السابقين وتصحيحها ، وفي الكشف عن الروايات الشاذة التي خالفت ما اتفق عليه العلماء ، وفي الترجيح بين الروايات المتعارضة.
فأما بيان أوهام العلماء والمصنفين السابقين فقد كشف الخطيب في مواضع كثيرة
__________________
(١) موارد الخطيب ، ص ٩٧ ، ٨٩.
(٢) موارد الخطيب ، ٩٨.