قال الشيخ : وعلى ذكر الجمعة ببغداد :
حدّثني أبو الحسين هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال الكاتب قال : حدّثني وشاح مولى القاضي أبي تمام الزينبي في مسجد جامع المنصور يوم الجمعة ـ وقد تجارينا ذكر من دخل المقصورة وقلة عددهم فيما عهد قديما منهم : أن القاضي أبا تمام كان يصلي في أيام الجمع على باب داره الراكبة لدجلة بباب خراسان ، والصفوف مادة من المسجد إلى ذلك المكان ، والصلاة قائمة بمكبرين ينقلون التكبير عند الركوع والسجود والنهوض والقعود. قال وقال لي وشاح أيضا : كان على أبواب المقصورة بوابون بثياب سواد يمنعون من دخول أحد إليها إلا من كان من الخواص المتميزين بالأقبية السود ، وإنه حضر في يوم جمعة بدراعة يتبع القاضي أبا تمام فرد حتى مضى ولبس القباء ، وكان هذا رسما جاريا مأخوذا به في سائر مقاصير الجوامع. وقد بطل الآن ذلك فليس يلبس السواد والقباء سوى الخطيب والمؤذنين.
قال لي هلال بن المحسن وحدّثني أبو الحسين محمّد بن الحسن بن محفوظ قال : كنت أمضي مع والدي إلى المسجد الجامع بالمدينة لصلاة الجمعة ، فربما وصلنا إلى باب خراسان في دجلة وقد ضاق الوقت وقامت الصلاة وامتدت الصفوف إلى الشاطئ ، فنصعد ونفرش إلى الشميزية ونصلي.
قال هلال : وأذكر وأنا أحبو وذاك في أيام الملك عضد الدولة وقد حملني خادم كان يلازمني ويحفظني في يوم جمعة لمشاهدة أناس في اجتماعهم وليصلي هو معهم ، فوقف عند الباب الجديد من شارع الرصافة والصفوف ممتدة في المسجد الجامع بالرصافة إلى هذا الموقع ، ومسافة ما بينها كمسافة ما بين المسجد الجامع بالمدينة ودجلة.
قرأت على أبي بكر أحمد بن محمّد بن أحمد بن جعفر اليزدي بأصبهان عن أبي شيخ عبد الله بن محمّد بن جعفر بن حيّان قال حدّثني أبو الحسن البغداديّ قال قال إبراهيم بن عبد الله : جئت أنا وأبي إلى أبي عثمان الجاحظ في آخر عمره. فقال : جئت إلى شق مائل ، ولعاب سائل ، الأمصار عشرة ، فالصناعة بالبصرة ، والفصاحة بالكوفة ، والخير ببغداد ، والغدر بالري ، والحسد بهراة ، والجفاء بنيسابور ، والبخل بمرو ، والطرمذة بسمرقند ، والمروءة ببلخ ، والتجارة بمصر (١).
__________________
(١) انظر الخبر في : المنتظم ٨ / ٧١.