أخبرني القاضي أبو القاسم على بن المحسن التّنوخيّ قال أخبرني أبي قال قال أبو القاسم بزياش بن الحسن الديلمي ـ وهو شيخ لقيته ببغداد يتعلق بعلوم فصيح بالعربية : سافرت الآفاق ، ودخلت البلدان من حد سمرقند إلى القيروان ، ومن سر نديب إلى بلد الروم ، فما وجدت بلدا أفضل ولا أطيب من بغداد. قال : وكان سبكتكين حاجب معز الدولة ـ المعروف بالحاجب الكبير ـ آنسا بي ، فقال لي يوما : قد سافرت الأسفار الطويلة ، فأي بلد وجدت أطيب وأفضل؟ فقلت له : أيها الحاجب إذا خرجت من العراق ، فالدّنيا كلها رستاق (١).
حدّثني أبو القاسم عبيد الله بن على الرقي ـ وكان أحد الأدباء ـ قال : أخذ أبو العلاء المعري وهو ببغداد يوما يدي فغمزها ، ثم قال لي : يا أبا القاسم هذا بلد عظيم ، لا يأتي عليك يوم وأنت به إلا رأيت فيه من أهل الفضل من لم تره فيما تقدم (٢).
حدّثني عبد العزيز بن على قال سمعت على بن عبد الله الهمداني بمكة يقول نبأنا على بن محمّد الفاني الورّاق (٣) قال حدّثني أبو الحسين المالكيّ قال حدّثني عبيد الله ابن محمّد التّميميّ قال : سمعت ذا النون يقول بمصر : من أراد أن يتعلم المروءة والظرف فعليه بسقاة الماء ببغداد. قيل له : وكيف ذاك؟ فقال : لما حملت إلى بغداد رمى بي على باب السلطان مقيدا ، فمر بي رجل متزر بمنديل مصري ، معتم بمنديل ديبقي ، بيده كيزان خزف رقاق وزجاج مخروط. فسألت : هذا ساقي السلطان؟ فقيل لي : لا هذا ساقي العامة ، فأومأت إليه : اسقني ، فتقدم وسقاني فشممت من الكوز رائحة مسك ، فقلت لمن معي : ادفع إليه دينارا فأعطاه الدينار فأبى. وقال : ليس آخذ شيئا. فقلت له : ولم؟ فقال : أنت أسير وليس من المروءة أن آخذ منك شيئا. فقلت : كمل الظرف في هذا (٤).
أخبرنا أبو محمّد عبد الرّحمن بن عثمان الدمشقي في كتابه إلينا قال : أنبأنا أبو الميمون عبد الرّحمن بن عبد الله بن عمر البجليّ قال نبأنا أبو زرعة عبد الرّحمن بن عمرو النّصري (٥) قال نا أبو مسهر قال نا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى قال : إذا كان علم الرجل حجازيّا ، وخلقه عراقيّا ، وطاعته شامية ، فقد كمل (٦).
__________________
(١) انظر الخبر في : المنتظم ٨ / ٨٤ ، ٨٥.
(٢) انظر الخبر في : المنتظم ٨ / ٨٥.
(٣) في المنتظم : «القاضي».
(٤) انظر الخبر في : المنتظم ٨ / ٨٤.
(٥) في المطبوعة والأصل : «البصري» تصحيف.
(٦) انظر الخبر في : تاريخ أبي زرعة ص ٣٦ ب مخطوط.