«ألا يحرم الجند ، ويكفى أن يلبسوا ملابسهم مقلوبة وأن تجولهم ، وهم يحملون سلاحهم سنة». وهكذا ، بهذه الكيفية أدى الجنود طواف القدوم ، وسعوا بين الصفا ، والمروة مؤدين العمرة.
وفى اجتماع الديوان قال المجتمعون «ان الشريف ينوى العصيان ، ومن المناسب عزله ، وتعيين الشريف أحمد مكانه». ولكن الباشا اعترض على هذا الرأى قائلا :
ـ أيها الآغوات .. أيها البكوات .. أرجو الإنتباه ، إلى أنه لو حدث ذلك الآن .. فإن جميع خلق الله هنا سيداسون تحت سنابك خيول البدو .. فلا تقولوا مثل هذا الكلام». وما أن قال ذلك حتى تعجب المصريون والشوام.
وقام الباشا بالتوجه إلى مقام الشريف سعد ، وسلّمه رسالة السلطان ، وأنعم عليه بفراء من السمّور. فما كان من الشريف ؛ ردا على هذا الإنعام ، وبناءا على طلب الباشا منه إلا أن يكون فى خدمة حجاج بيت الله الحرام ، وأن يتوجه إلى منى وأن قدم إلى الباشا القهوة العربية ، والشربات ، وماء الورد ، وأهداه مجوهرات ثمينة ، وفرسين كحيلين ، وقطارا من الجمال الهجين ، وعلى صهوة كل منهم غلاما حبشيا عاد الباشا إلى خيمته ، وعلى الفور توجه إلى منى ، وعرفات. وصعد إلى عرفات فى موكب عظيم ،
وإلى عرفات ، ومنى وحيث يقيم الباشا معسكره ، يفد البدو والإعراب من كل صوب بآغنامهم ، ويتسابقون فى تقديم الهدايا إلي الباشا. وكل الآشراف يعيشون فى بزخ ، وترف ، وذوق ، وصفاء على عرفات ، فهم جميعا من أهل الذوق ، وحب الحياة. فمرتباتهم تأتيهم بلا تعب ، أو كد ، ويعيشون على ما يأتيهم من هدايا ، من كافة أنحاء العالم الإسلامى ، والأشراف أناس مسرفون جدا ، فكل شريف منهم ينفق مالا يقل عن أربعة ، أو خمسة آلاف دينار ، ذهبى ، منذ خروجه من مكة إلى وصوله إلى عرفات فقط ؛ ففى مكة يتم التعامل بالعملات الذهبية ، والفضية فقط.
وفى يوم التلبية ؛ يتوجه أولا جند مصر إلى عرفات ملبين ، ثم يمر الجنود الشاميين بالمحمل الشريف (١). وهما تمام وصول مواكب كل من مصر ، والشام ، ومكة إلى عرفات.
__________________
(١) المحمل الشريف : مصطلح إدارى يستخدم للدلالة على الوسيلة التى كانت تستعمل لحمل ، ونقل الصرة