العباسيين ، وبالتحديد المهدى العباسى ، وبعده ، وبمرور الأيام تهدمت ، فأمر سليمان خان ببناءها من جديد على طابقين من الحجر الأصفر .. وكان أمره أن تكون منارة رائعة. ومن يتفحصها فكأنها شجرة السرو السامقة. والمنارة الرابعة .. وهى أيضا من بناء المهدي ، وهى كذلك بمرور الآيام تهدمت ، فبناها بعده حاكم الموصل وهى ذات شرفتين .. وعند باب زياد أقام الملك أشرف برسباى (١) أحد سلاطين مصر منارة. وهى طبقتان. غاية فى الإبداع ، والصنعة .. وهى منارة سرمدية. والمنارة السابعة ، هى اعلى المنارات جميعا ، وأكثرها ارتفاعا .. ولا مثيل لها .. وقد صرف المهندس المعمارى الذى أبدعها فيها جهدا ، بحيث جعلها شيئا مختلفا ؛ فى الفن ، والابداع عن كل الّاخريات .. وصدق من قال (من لم يره لم يعرف). وعلى هذه المنارات السبع ، لا يصعد الأربعة عشر مؤذنا .. بل الآخرون يوقدون عليها القناديل فى الليالى المباركة .. وكل هذه المنارات ، ما عدا الإحدى والعشرين طبقة ، مطلية بالذهب حتى قمتها. ويوقد حول كل منهم القناديل ، بحيث يصير حول كل واحدة خمسة أو ستة طوابق من القناديل المشعشعة بالضياء. وتصبح المنارة وسطها وكأنها شجرة السرو السامقة الإرتفاع. وتظل على هذا المنوال إلى أن يغادر مكة المكرمة حجاج بيت الله الحرام. ويبلغ عدد القناديل المضاءة خلال موسم الحج الشريف حوالى ثمانية آلاف قنديل فتحول المكان ليلا وكأنه نهار مشرقة شمسه ، ساطعة سماءه ..
وإذا كنا فى هذه المقتطفات السابقة قد أحطنا علما بأبواب الحرم ، وأعمدته ، وإيواناته .. ومناراته .. فمن الجدير أن نلقى بعض الإجتهادات حول بيت الله ، الكعبة المشرفة التى هى مهجة الفؤاد ، وكما تتوسط الحرم الشريف ، فإنها تسكن ، وتتربع فى سويداء القلب لدى كل المسلمين الذين يقصدونها ملبين ومكبرين.
* * *
__________________
(١) الملك أشرف برسباى : من ملوك وسلاطين المماليك فى مصر. وله باع طويل فى عمل الخيرات ، وما زالت مآثره المعمارية تشهد على عظمة عصره.