وصعدت روحه إلى بارئها وإن ظل جسده معلقا .. ولما وصل الحجاج إلى مراده ، أنزل جسد الزبير من حيث صلب ، وتم دفنه .. ولم يشأ أحد من أهل الزبير أن يرجو الحجاج فى شيئ .. حتى أن والدة الزبير بن العوام رضى الله عنه كانت على قيد الحياة .. فلم تشأ أن ترجو الحجاج ، وظل الزبير مصلوبا .. حتى أنها ذات يوم كانت تمر بالقرب من الجسد المصلوب ، فنظرت نحو ولدها ، ومضت. وكذلك .. فإن شيخ الزبير ظل يخطب ، ويعظ الناس ، وهو على المنبر ، ولم ينزل قط. وكل من كان يعبر أمامه كان يستمع إلى مواعظه .. ولما علم الحجاج بذلك ، اعتبره رجاءا ، فأمر بأن ينزل الزبير ، وأن يغسّل ، وحضر صلاة الجنازة عليه فى المسجد الحرام .. ودخل الحجاج إلى ناحيته بالقرب من التابوت ، وطاف سبع مرات حول جسد الزبير. ودفنوه فى المعلا. وبعد ذلك ؛ أمر الحجاج الظالم بأن تقرأ الخطبة باسم خليفة الشام الخليفة مروان الحمار. ثم أصبح الحجاج الظالم يوسف خليفة على مكة والمدينة ، والكوفة ، والعراق ، فخلع الحطيم من حيث وضعه الزبير بن العوام ، وأمر ببناء جدار الحطيم كما كان فى عهد صاحب الرسالة صلىاللهعليهوسلم. وعلى جدار الحطيم مكتوب بخط جميل :
بسم الله الرحمن الرحيم (.. فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (٣٦) (١).
وهذه الآية بخط القره حصارى مكتوبة على الرخام الأبيض ، وقد كتبت بقدر قامة الرجل ـ وتتضح عند النظر بامعان ، وإلا فلا يلحظها كل إنسان. وجدار الحطيم أحد طرفيه عند الركن العراقي ، والأخر عند الركن الشامي. والبسملة عند هذه الزاوية. كما أن الحجاج قد جدد بناء أحد جدران الكعبة ، والجدران الثلاثة الأخرى بناهم ابن زياد. وقام الحجاج الظالم بسد الباب اليمانى الذى كان قد فتحه الزبير. وهو الذى وضع الباب الذى يطل على الجانب الشرقي حتى الآن. وهذا الباب ، باب كامل وبديع ، فى علو قامة الرجل. والرجل قصير القامة ، يجد مشقة فى تقبيل عتبة البيت الشريف .. هذا الباب طوله ستة أذرع مكيّة مضافا إليها إحدى عشر إصبعا .. وعرضه ثلاثة أذرع وإثنى عشر إصبعا.
__________________
(١) سورة النور : آية ٣٦.